د. سعدي الابراهيم
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
17 نيسان 2017
الباب العالي او السلطان العثماني، بالرغم من نهايته المادية قبل نحو مائة عام، لازال لروحه ووجدانه حضور في المنطقة الاقليمية التي كان يقودها، ومن بينها العراق .
وبالتالي فأن المتغيرات الداخلية التي تشهدها تركيا سيكون لها انعكاسات ليس على الداخل فحسب، بل على جميع الدول المحيطة بها ، هذا الامر يدفعنا للقول ان الاستفتاء الذي تجريه تركيا اليوم هو ليس ظاهرة سياسية اعتيادية، بل هو مرحلة مفصلية في تاريخ تركيا المعاصرة، والشرق الاوسط بأسره، فحزب العدالة والتنمية الحاكمة، ورموزه الطامحين بإعادة امجاد إمبراطورتيهم العثمانية الغابرة، سيكون لسياساتهم انعكاسات مهمة على مستقبل المنطقة الاقليمية المحيطة بهم .
أشخاص مثل السيد اردوغان قد فرض نفسه على الساحة وبات بالإمكان ان نطلق عليه بسهولة بأنه اتاتورك بروح اسلامية . ومن بين الترتيبات التي تمكن اردوغان وحزبه من تدشينها في بلادهم بغية الثبات اذا ما قلنا الخلود في الحكم، هو الاستفتاء الاخير الذي سيجعله ممسكا بزمام السياسيتين الداخلية والخارجية، وستمتد جذور حزبه الى اعماق النفس التركية لتعيد كتابة التاريخ من جديد وتهيئة الاجيال القادمة للمستقبل.
اما من حيث انعكاسات هذه الانتخابات على الدولة العراقية، ففي الغالب الاعم ستكون ايجابية، اذا ما احسن صانع القرار في بغداد التعامل الجيد مع هذا الحدث، ولعل النواحي الايجابية لمثل هذا الاستفتاء على العراق، من الممكن اختصاره بالنقاط الاتية:
1 – الاستفتاء التركي جاء في الوقت الذي يعاني فيه العراق من خطر التقسيم نتيجة لرغبة القوى السياسية الكردية بالانفصال عنه، وبالتالي فأن بقاء النخبة السياسية الحالية على رأس الحكم في تركيا، يعتبر امرا ايجابيا كونها تؤمن بوحدة العراق، لأنها تدرك جيدا ان اي تقسيم فيه سينتقل الى بلادها عاجلا ام اجلا، نظرا لاشتراك البلدين بالهويات الفرعية .
2 – ان معاناة العراق من النظام البرلماني هو اكثر من معاناة تركيا منه، وعلى هذا الاساس فأن نجاح التجربة التركية من الممكن ان يشجع بقية الدول في المنطقة ومنها العراق على الاتجاه نحو النظام الرئاسي بعد ان اثبت النظام البرلماني عدم نجاعته فيها.
3 – تركيا بنظامها الحالي تقف ايضا بوجه التلاعب بالخارطة السورية، وبمعنى ادق ترفض ان يكون هناك اقليم كردي او دولة كردية، وهذا الامر يعتبر ايجابي ايضا بالنسبة للعراق كونه من اكثر البلدان تأثرا بالأحداث التي شهدتها وستشهدها سوريا في المستقبل.
ان هذه الايجابيات التي ستترتب على تحول تركيا نحو النظام الرئاسي، تبقى قليلة التأثير ما لم تكن هناك خطة عمل ممنهجة يقوم بها صانع القرار في بغداد، ولعل من بين الأليات اللازمة لجعل هذا الحدث الذي شهدته تركيا اكثر ايجابية على العراق، الاتي:
1 – كان العراق والدول المحيطة به وعلى الاخص تركيا وايران، يتفقون على الخطوط العريضة لسياساتهم الاقليمية ومن اهمها ضمان وحدة بلدانهم وعدم استخدام اراضي اي دولة للأضرار بالأخرى، بمعنى من الممكن ان تنشط السياسة الخارجية العراقية لتكون رأي ساسي اقليمي يمنع انفصال او تقسيم اي منها ، حتى لو اضطر العراق لتوقيع اتفاقيات مع جيرانه .
2 – من المتعارف عليه ان الدول تبيع سياساتها الخارجية الايجابية لمن يدفع اكثر، وتركيا لا تختلف عن بقية دول العالم الاخرى، اي على صانع القرار السياسي في بغداد ان يستخدم الورقة الاقتصادية للحصول على الدعم التركي داخليا واقليميا ودوليا .
3 – التعاون مع تركيا لترميم الهوية الوطنية العراقية، فمن المتعارف عليه ان للإسلام السياسي في تركيا تأثير على الاسلام السياسي السني في العراق، وبالتالي فأن جعل تركيا تقوم بنشاط ايجابي او على الاقل الوقوف على الحياد وعدم التدخل السلبي بالشأن الداخلي العراقي، يبقى امرا ضروريا بالنسبة لصانع القرار في بغداد .
اذن، ان للاستفتاء الذي شهدته تركيا خلال اليومين الماضيين انعكاسات ايجابية على العراق، بشرط ان يتبع صانع القرار في بغداد اليات معينة للتعاطي معه .