حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
نيسان-ابريل 2017
ما من شكّ في أن اكتشاف الغاز في الشرق الاوسط يمثّل فرصةً لازدهار جميع اقتصادات المنطقة، لكن في ظلّ مناخِ الخلاف وانعدام الثقة السائد حالياً، قد تسفر احتياطات الطاقة هذه أيضاً عن مزيد من التوتّر، والصراع على المنطقة وفي قلبها سوريا، ليس صراعاً بالمعنى السياسي الكلاسيكي كما يتم تصويره في الإعلام أو على مستوى النّخب، حقيقة الصراع كما تعرفه الخاصة لا يقتصر على الجيوبوليتيك، ولا على الاعتبار السياسي المحض الذي يخلو من السر الأهم، منطقة الشرق الاوسط تزخر بكميات وفيرة من الغاز والنفط، ولكن الصراع هو على طرق تصدير هذه الموارد.
ان من يريد ان يفهم حقيقة ما يجري في المنطقة من دمار وخراب، وليس من يريد ان يقنع نفسه بما املاه عليه والاعلام الدولي ، ما عليه الا ان يتتبع الخطوات التي مرت بها المنطقة ليربط الاحداث ، وان يتوسع كيفما شاء في كل ما سيذكر لعله يقترب من فهم حجم التضليل الذي مورست وتمارس بحق دول وشعوب المنطقة ، سيكون البحث مقتضبا ، وعلى شكل نقاط متسلسلة ومختصرة لتسهيل المهمة , ومنها ان الحروب وسائل لأجل السيطرة على مصادر الطاقة ومفاتيح الاقتصاد العالمي تاريخيا وليس غايات، وهذه الحروب هي لسيطرة على منابع النفط والغاز في الشرق الاوسط، ان التوقيع على اتفاقيات الحد من انبعاث الغازات والتلوث البيئي من قبل الدول الصناعية الكبرى، واغلاق المفاعلات النووية التي قد تقود الى كوارث للبشر والبيئة، قاد الى ضرورة توفير البدائل من مادة الغاز النظيفة، وهو ما يعد سببا للسيطرة على اقتصاد العالم، تحتل روسيا المركز الاول لإنتاج الغاز 430 مليار طن سنويا ، بعدها ايران ، ثم قطر، ثم تركمانستان، والنظر لقرب روسيا من اوروبا جعلها تسيطر على طرق تصدير الغاز لأوروبا من غير منافس قريب، هذا الامر دفع الغرب عامة وامريكا خاصة في محاولة لتدارك الامر من خلال التوقيع برفقة عدة دول على انشاء خط انابيب( نابوكو ) الذي سينقل غاز تركمانستان (القوة الرابعة عالميا ) عبر بحر قزوين ، ثم اذربيجان ، ثم تركيا ، ثم النمسا فأوروبا ، من دون المرور بروسيا ، وبذلك ستكون روسيا في قبضة طوق (نابوكو) المدعوم امريكيا والمحمي بواسطة الناتو ، الا ان روسيا ومن اجل احتكار المنافسة ادعت ان قزوين بحيرة وليس بحرا دوليا، وهذا ما يمنع تركمانستان من مد انابيب غاز عبره، وقامت بشراء كل الغاز التركمانستاني والاذربيجاني بعقود طويلة ، وهذا يعني ان الدول التي كانت ستمول مشروع (نابوكو) الغربي قد اصبحت في قبضة الروس، ولكن محاولات امريكا لم تنتهي عند هذا الحد، بل قامت عام 2009 بالتوقيع على مشروع (نابوكو) جديد يمتد من قطر ( الثالث عالميا) عبر السعودية والاردن وسوريا وتركيا الى اوروبا، وبائت كل محاولات قطر وامريكا لإقناع سوريا ومدها بكل انواع المساعدات المادية والاغراءات بالسماح بمد هذا الخط ، وذلك لأنه سيسبب ضررا لحلفائها روسيا، كما ان ايران عقدت اتفاقية عام 2009 مع كلا من العراق وسوريا من اجل مد انبوب للغاز من ايران عبر هذين الدولتين الى تركيا ثم اوروبا من اجل تخفيف العقوبات عنها، وتقديم بديل للغرب، الا ان سوريا ونظامها السياسي الذين اصبحا عقبة امام خط الغاز القطري يجب ازاحتهما من اجل تحقيق حلم قطر والسعودية ومن ورائهما السيد الامريكي، من اجل ايصال الغز لأوروبا من جهة والسيطرة عليها، كذلك ضرب روسيا الخصم التقليدي لأمريكا اقتصاديا.
عام 2011 اشتعلت الثورة السورية ضد نظام الرئيس السوري (بشار الاسد) وكان اول الداعمين للجماعات المسلحة فيها وقوة هما قطر والسعودية وامريكا، لأجل اسقاط النظام السوري وتحقيق مشروع القرن ، هنا بدا الصراع الطائفي الحقيقي للغاز في سوريا، ان طائفية الغاز اصبحت مادة اساسية للصراع في سوريا، لهذا بدا الروس بدعم نظام الاسد في سوريا لمنع تحقيق حلم دول لخليج وامريكا في مد انابيب الغاز لأوروبا، كما ان الايرانيين هم ايضا يناضلون لإبقاء الاسد دعما لمشروعهم في سوريا.
هنا بدأت تركيا (اردوغان) تختار الى أي الاطراف تنحاز لتحقيق مصالحها ايضا، خاصة وان كل طرق انابيب الغاز تؤدي الى تركيا، لذلك يلاحظ تنقله بالتحالف بين القوى المتصارعة لتحصيل عدد اكبر من المكاسب، لهذا نرى ان تركيا اختارت اولا مساندة مشروع قطر – امريكا، من اجل كسب حلفاء تحت امرتها تبتزهم متى شاءت، وثانيا عسى ان يتحقق بالانضمام للاتحاد الاوربي
لهذا ان الصراع في سوريا ليس صراعا طائفاي دينيا كما يصور للبعض، اي صراع بين شيعة وسنة ودروز ومسيحيين، انه صراع ذو طائفية اقتصادية، وصراع لا يقبل التهاون، انتصار الروس يعني هزيمة الامريكان واحتضارهم دوليا ، وانتصار الامريكان والقطريين يعني محاصرة روسيا وضربها تحت الحزام بأعز ما يملكون ، لهذا فان استمرار الحرب واضعاف احدهما الاخر هو الحل لفرض ارادة المنتصر ، لهذا نرى انه كلما قرب الحل السياسي في سوريا وتقارب الفرقاء تقوم امريكا ومن وراءها بأعمال انتقامية لأثارة الفرقاء وادامة الحرب، لهذا نرى ان استخدام السلاح الكيمياوي في خان شيخون في ادلب وقتل العشرات، وتفجير شاحنات نقل سكان الفوعا وكفريا الى حلب وقتل المئات منهم، هي وسيلة امريكية من اجل اشعال الحرب ومدها بالوقود ومنع أي امل لإيقافها، والذي يعني موت الحلم الامريكي الخليجي في سوريا.
كل طرف في سوريا وبدعم من دول الجوار يمارس التعبئة الطائفية التكفيرية، الاول تحت شعارات نصرة السنة والتخلص من ظلم الاسد العلوي ، والثاني التعبئة الطائفية الشيعية من اجل نصرة الاسد وابعاد الخطر التكفيري عن سوريا والمنطقة ، وهنا تكمن المأساة في سوريا، فلو ان الاطراف المتحاربة من الشعب السوري الفقير ادركت ان الحرب هي طائفية اقتصادية من اجل الغاز، وليس من اجل نصرة المذهب والدين، لما تورطت في هذه الحرب، ولما دخلت تحت اجندات دول لها مصالح اقتصادية في سوريا.
ان القضية السورية قضية معقدة وكبيرة بكل المقاييس، لان انتصار احد الاطراف يعني هزيمة الطرف الاخر، كذلك ان مناطق النفوذ فيها لا تحمل اكثر من حليف واحد، لهذا فان الامر في سوريا ستكون تحت احتمالين لا ثالث لهما، وهما اما التعاون بين هذه الاطراف على صيغة تعاون تضمن حقوق كل الاطراف في سوريا من خلال مد انابيب للغاز من كل الاطراف عبر سوريا لأوروبا، ويكون لروسيا نصيبا فيها، ولكن هذا الاحتمال مستبعد حاليا بشكل كامل لان مد أي انابيب غاز من قطر او ايران عير سوريا لأوروبا يعني ضمنا انهاء النفوذ الاقتصادي الروسي في اوروبا، كما ان الثقة بين روسيا ودول الغرب عامة وامريكا خاصة اصابها الفتور بعد العديد من العقوبات الاقتصادية الاوربية الامريكية ضد روسيا، فماذا سيكون مصير روسيا بعد مد انابيب غاز من قطر او ايران نحو اوروبا؟.
الاحتمال الاخر هو وصول الحرب في سوريا من حرب بالوكالة بين الاطراف الى حرب مباشرة، خاصة وان هناك مؤشرات عديدة تبين انطلاق هذه الحرب المباشرة في سوريا، ومنها تدخل قوات روسية مباشرة بمختلف الصنوف في الحرب السورية منذ 2015، كذلك نزول قوات امريكية في شمال وشرق سوريا بحجة مساعدة قوات سورية الديمقراطية الكردية، وقيام امريكا بتوجيه ضربات مباشرة للجيش السوري في مطار الشعيرات وسط سوريا بحجة استخدام النظام للسلاح الكيمياوي، وفي النهاية قد تقود هذه الحروب الى مواجهة مباشرة بين القوتين العظمتين، خاصة بعد اعلان روسيا تزويدها للجيش السوري بأسلحة دفاع جوي متطورة، وهنا لا يمكن استبعاد حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.
الحرب الطائفية في سوريا هي حرب طائفية اقتصادية وليست مذهبية او دينية او قومية، رغم وجود جماعات مسلحة متمسكة بالطائفية والقومية بالصدفة، ان هذه الحرب اطرافها ( مذاهب غازية ) ، مذهب نابوكو الغربي وخصمه السيل الجنوبي الروسي ، وستكون الغلبة لمن يتمسك بعروة انبوبه اكثر.