د. حسين احمد السرحان
رئيس قسم الدراسات الدولية-مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
نيسان 2017
يشغل موضوع مكافحة الارهاب حيزا كبيرا لدى صانعي القرار الاميركي والسياسية الخارجية الاميركية تجاه مناطق العالم وفي مقدمتها منطقة الشرق الاوسط. المنطقة هي الاكثر تأثراً بالارهاب والحاضنة الاكبر للتنطيمات الارهابية وفقا للراي العام والمدرك الاستراتيجي الاميركي الذي بدأ ينعت الارهاب بانه ” أرهابا اسلاميا متطرفا “. وفي اطار ماسبق من المهم قراءة الوضع في العراق بعدّه صاحب الحصة الاكبر والاكثر معاناةً من التنظيمات الارهابية، ولانه اصبح قريبا من هزيمة التنظيمات الارهابية اصبح لزاما قراءة الرؤى والمقاربات الخارجية لاسيما الاميركية واين اصبح العراق منها؟ فالولايات المتحدة اليوم تقود التحالف الدولي لمكافحة داعش ولها الدور الاكبر في تقديم الاستشارة والخبرة العسكرية للقوى الامنية العراقية.
مصدر مقاربة الامن القومي الاميركي حول الارهاب وآليات التصدي له ليس عسكريا فحسب بل امنيا ايضا، تتاثر بتيارين داخل الادارة الاميركية الجديدة وهما التيار الايديولوجي والتيار البراغماتي . وكل من التيارين لديهما الحجج في محاولة فرض رؤيتهما على مقاربة الأمن القومي الأميركي فيما يخص مكافحة الارهاب.
يتزعم التيار الايديولوجي مستشارو ترامب الثلاثة، وهم ستيف بانون، وستيفن ميلر، وسيباستيان غوركا ويمثّل هؤلاء الثلاثة أعمدة “مجموعة المبادرات الإستراتيجية” التي تُعدّ بمنزلة مركز تحليل سياسي داخلي في البيت الأبيض برئاسة بانون الذي عيّنه ترامب في مجلس الأمن القومي الأميركي. وكان هؤلاء الثلاثة يستندون في رؤيتهم إلى دعم مستشار الأمن القومي المُقال فلين الذي كان يرى في الإسلام “سرطاناً في جسد اكثر من مليار وسبعمائة مليون إنسان”، وأنّه “أيديولوجيا سياسية .. تتلبس بلباس الدين“. كذلك يرى بانون أنّ الولايات المتحدة منخرطة في صراع وحشي ودموي مع “بربرية جديدة” لها جذورها في “الإسلام الراديكالي”. وبحسب رأيه، فانه “لا مناص من صراع وجودي يلوح في الأفق بين الإسلام والغرب”. ويستند بانون في كثير من رؤاه الى أطروحة الأستاذ الجامعي الراحل، صموئيل هنتنغتون “صراع الحضارات” التي يجادل فيها بأنّ العالم مقسّم على أساس “خطوط صدع” ثقافية، ربما تقود إلى صدام بين الحضارة الإسلامية والغرب. في السياق ذاته، يزعم غوركا، ان القرآن الكريم هو نفسه مصدر “الإرهاب الإسلامي” الأساس.
في مقابل هذا التيار يوجد التيار البراغماتي الذي يضم المختصين والخبراء والمهنيين في حقول الأمن والدفاع والسياسة الخارجية. ويبدو أنّ الجنرال هربرت ريموند ماكماستر مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب – الذي عُين خلفا للجنرال مايكل فلين – يعبّر عنهم في إدارة ترامب. ينطلق هؤلاء في رؤيتهم للإسلام من زاوية المنفعة وتحقيق أفضل مردود في التصدي لـ “الإرهاب“. وهذا التيار يتبنى منطق ادارة اوباما الهادف الى دحض ادعاءات المنظمات العنيفة بأنّ المعركة بينها وبين الولايات المتحدة معركة دينية.
ومع ان الكثير يرجح ميلان كفة ادارة الرئيس دونالد ترامب الى تيار الايديولوجيين، الا ان وجود ماكماستر ومقاربته للامن القومي ومكافحة الارهاب ستكون لها اهمية. فالولايات المتحدة ترى في الارهاب تهديداً كبيراً لأمنها ومصالحها حول العالم.
وفيما يتعلق في العراق ، فالجهود الحالية وفي المستقبل المنظور منصبة على المواجهة العسكرية مع التنظيمات الارهابية وربما يكون للحكومة فيما بعد رؤى معينة تجاه تحقيق الامن بعد هزيمة تلك التنظيمات عسكريا. ونعتقد ان الحكومة العراقية بحاجة ماسة الى جهود الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب فالهدف واحد لكلا الطرفين. ونرى كذلك انه من الاهمية بمكان ان تكون الحكومة العراقية على ادراك واسع لمقاربة الامن القومي الاميركي حول مكافحة الارهاب ومعالجة جذورة ودوافعه.
يرى مستشار الامن القومي الاميركي الجنرال ماكماستر ان الدوافع الاساسية لنشوء وصعود الجماعات الارهابية متجذرة في الإقصاء والتهميش والمظالم الطائفية والعرقية وسوء الحكم والإدارة والفساد. ويؤسس ماكماستر فكرته عليها مقاربته بخبرته العملية بوصفه قائداً سابقاً للقوات الأميركية في العراق عامَي 2005-2006. ونُقل عنه تعليماته للقوات الأميركية التي كانت تحت إمرته في العراق، “في كل مرة تزدري عراقياً فإنّك تعمل لمصلحة العدو“.
لذا يحتاج صانع القرار العراقي والقوى السياسية العراقية ان تتضمن استراتيجيتها للامن الوطني وضع الاليات المناسبة للتخلص من سلبيات المرحلة السابقة وفي مقدمتها السياسية. والعمل بحسم تجاه العوامل الطائفية التي وظفتها اغلب القوى السياسية لمصالحها السياسية الخاصة في ظل غياب مشروع الدولة لديها بفعل تيقنها استحالة تحقيق هدفها في بناء دولة اسلامية في العراق والذي كانت تؤمن به في مرحلة المعارضة.