د. سعدي الابراهيم
باحث في قسم ادارة الازمات / مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
23 نيسان 2017
يعتبر التعليم الاهلي من اهم القطاعات في الدول المتقدمة كونه يرفد المستقبل بأجيال واعية وقادرة على البناء والتنمية والابتكار، اما في الدول غير المتقدمة فلازال القطاع الخاص فيها غير عابئ بدوره في المجتمع، على اعتبار ان الدولة هي المؤسسة الاكبر والاكثر قدرة على ادارة مجال حساس واستراتيجي مثل التعليم.
طبعا ، هناك تفاوت ما بين الدول غير المتقدمة من حيث مدى متانة وجدارة التعليم الاهلي، فهناك دول قد وضعت قواعد متينة وسكك حديدية يسير عليها التعليم الاهلي، في حين ان هناك دول قد فشلت في ان تبني التعليم الاهلي على اسس صحيحة، وبقدر تعلق الأمر بالعراق فقد انتشرت الكليات الاهلية فيه بعد عام 2003، وصار عددها يفوق عدد الجامعات الحكومية، حتى اعداد الطلبة المنخرطين تحت لوائها قد بلغ حدا يلفت الانظار، واصبحت كل كلية اهلية تضخ الى الشارع العراقي الالاف من حملة شهادة البكالوريوس وفي مختلف المجالات العلمية والانسانية، مع ملاحظة ان مخرجاتها من التخصصات الانسانية هي الاكبر.
ان هذه المؤشرات كان المفترض ان تكون ايجابية وان تشكل عامل قوة وعنصر دعم لدولة عراقية قوية في المستقبل عن طريق نشر الوعي، ولكن في الحقيقة هي على خلاف ذلك، حيث تشير التقارير الى ان اغلب هذه الكليات تركز على عامل الربح وتهتم بالكم ولا تبالي بالنوع، وبعبارة أكثر صراحة اغلبها وليس جميعها تحول الى دكاكين لبيع الشهادات، فالمبالغ التي يسددها الطلاب لهذه الكليات هي بمثابة صكوك الغفران التي تؤهلهم للنجاح والتخرج منها، بغض النظر عن الدوام المنتظم فيها من عدمه.
شيء اخر تعاني منه هذه الكليات وهو عدم توازن عدد الاساتذة مع عدد الطلاب، اذ ان الاساتذة الذين لا يتجاوز متوسط عددهم في الغالب العشرة اساتذة في كل كلية، تقع على عاتقهم مسؤولية تدريس اعداد مهولة من الطلاب، وهنا الاستاذ سيكون مضطرا ان يعطي المادة العلمية كيفما يشاء وان يستجيب لرغبات المستثمر التي تنص على عدم جواز رسوب اي طالب لآن الرسوب سيكون على حساب دخله السنوي، وفي حالة عدم الاستجابة لهذه التوصيات الاجبارية سيخسر التدريسي عمله ويعود الى البطالة التي اجبرته ان يعمل في مثل هذه المؤسسات.
ان هذه الحقائق تجعل من وجود الكليات الاهلية بطريقة عملها الحالية خطر على البلاد ومستقبلها، ومن الممكن ان نوضح ذلك عبر النقاط الاتية:
اولا – البعض من الكليات الاهلية ستسهم في خلق جيل عراقي غير متعلم، إذا ما قلنا بانه جاهل.
ثانيا – الكليات الاهلية ستؤدي الى وجود تخمة في الشهادات العلمية مع قلة في النوعية والجودة.
ثالثا – الكليات الاهلية ستضرب التعليم الحكومي الذي يعتبر جيدا نسبيا، كون ان الكثير من الطلبة المتخرجين منها يسافرون على عجل الى الدول الاخرى ويحصلون على الشهادات العليا ويرجعون الى العراق طلبا للتعيين في القطاع الحكومي، وهذه النخب المتخرجة من التعليم الاهلي والحاملة للشهادات العليا ستحمل تجربتها الى الاجيال القادمة.
وعلى هذا الاساس فان هذه السلبيات التي تشوب التعليم الاهلي في العراق تجعل الحكومة مطالبة باتباع اليات جديدة لتحسين ادائها، ومنها الاتي:
اولا – فتح وزارة جديد خاصة بالتعليم الاهلي، وتسميتها (بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الاهلي) وذلك لكون وزارة التعليم الحالية اصبحت مثقلة بالواجبات ويبدو بانها غير قادرة على قيادة قطاعين معا: الحكومي والاهلي.
ثانيا – وضع شروط أكثر صرامة للاستثمار في مجال التعليم، لأن الباب الواسع قد حول الكليات الاهلية الى اماكن لبيع الشهادات بهدف الربح، دون الانتباه الى الغايات العلمية.
ثالثا – تحويل التعليم الاهلي، من القطاع الخاص الى القطاع المختلط لأن القطاع الخاص يبدو بانه غير قادر على اداء رسالته العلمية من دون ان تكون الدولة بجواره.
وهكذا، فإذا لم تسارع الحكومة العراقية وتعالج السلبيات التي يعاني منها التعليم الاهلي في العراق فعليها ان تكون مستعدة لمواجهة اجيال تحمل الشهادات العلمية في يد وتحمل الجهل وقلة الوعي في اليد الاخرى، وبما ان الشباب هم المستقبل، فأن مستقبل بلادنا في هذه الحالة سوف لن يكون أفضل من الحاضر.