حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
مايو-أيار 2017
جرت الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 23 من أبريل 2017، وهي الانتخابات الحادي عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة لاختيار الرئيس الجديد لفرنسا لعام 2017، والتي لم يفز أي مرشح بالأغلبية المطلقة من الاصوات في جولتها الاولى، وسوف تجرى جولة ثانية في 7 ايار 2017، بين المُرشحَيْن الذين حصلا على اعلى الاصوات وهما (إيمانويل ماكرون) مرشح حزب فرنسا الى الامام وهو من احزاب الوسط، الذي حصل على (23.86%)، و(ومارين لوبان) مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف التي حصلت على (21.43%)، بعد ان قرر الرئيس المنتهية ولايته (فرانسوا هولاند) يوم 1 ديسمبر 2016 عدم ترشحه لولاية ثانية.
وينتخب رئيس الجمهورية في فرنسا بالاقتراع العام والمباشر لولاية مدتها خمس سنوات بنظام الاقتراع على دورتين، إذا لم يستطع أي مترشح الحصول على الأغلبية المطلقة للأصوات الصحيحة في الدورة الأولى من الانتخابات، اذ يتم تنظيم دورة ثانية بعد 14 يوما على أقصى تقدير، ويتقدم للدورة الثانية فقط المترشحين اللذين حصلا على المرتبة الأولى والثانية في الدورة الأولى، وهناك عدة شروط للترشيح لمنصب الرئاسة الفرنسية وهي، أن يحمل الجنسية الفرنسية وغير ممنوع من ممارسة حقوقه المدنية، وعمره 18 سنة على الأقل، ومسجل في القوائم الانتخابية، أن يعلن عن ممتلكاته، والحصول على 500 توقيع على الأقل من أعضاء البرلمان الفرنسي (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) أو المسؤولين المحليين المنتخبين (عمداء المدن، الأعضاء المنتخبين لمجلس الفرنسيين بالخارج، رؤساء الهيئات التشريعية للمتروبول والجماعات الحضرية وجماعات التكتل وجماعات البلديات، أعضاء المجالس الإقليمية ومجلس متروبول ليون ومجلس باريس، أعضاء المجالس الجهوية، الأعضاء المنتخبين لمجلس كورسيكا، الأعضاء المنتخبين للمجالس التشريعية أو الهيئات التنفيذية لتجمعات ما وراء البحار، رئيس بولينزيا الفرنسية ورئيس حكومة كاليدونيا الجديدة، الأعضاء الفرنسيين المنتخبين في البرلمان الأوروبي.
وبلغ عدد المرشحين للانتخابات الفرنسية لعام 2017 أحدى عشر مرشحا، وهم (نيكولا دوبون إينيون) عن حزب فرنسا انهضي ، ومرشحة الجبهة الوطنية ( مارين لوبان)، ومرشح حزب فرنسا إلى الأمام (إيمانويل ماكرون)، ومرشح الحزب الاشتراكي ( بونوا هامون)، ومرشح حزب النضال العمالي (ناتالي آرتو)، ومرشح الحزب الجديد ضد الرأسمالية ( فيليب بوتو)، ومرشح حزب التضامن والتقدم (جاك شوميناد)، ومرشح حزب صامدون (جان لاسال)، ومرشح حزب فرنسا الأبية ( جان لوك ميلنشون)، ومرشح حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري (فرانسوا آسلينو)، ومرشح حزب الجمهوريون (فرانسوا فيون)، وبلغ عدد الناخبين الفرنسيين الذين يحق لهم التصويت (47)مليون شخص، وبلغت نسبة المشاركة (69,42) بالمئة بانخفاض طفيف عن انتخابات العام 2012 حيث بلغت 70,59 بالمئة.
وتأتي اهمية هذه الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017، من كونها اول انتخابات لم يحصل أي من الاحزاب الكبرى نتائج متقدمة فيها، كما انها عززت فرص التيارات اليمينية المتشددة من الصعود في هذه الانتخابات، ولعدة اسباب منها:
1- صعود شعبية أحزاب أقصى اليمين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إذ حققت الأحزاب المحسوبة على التيار الشعبوي اليميني انتصارات انتخابية هامة منها استفتاء انسحاب بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي عام 2016، وانتخاب (دونالد ترمب) رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية في انتخابات 2016، وقد شجع هذا مرشحة حزب الجبهة الوطنية (مارين لوبان) من التقدم للانتخابات لهذا العام.
2- وقوع احداث ارهابية في فرنسا خاصة وأوروبا عامة، قادتها المجموعات المتطرفة المرتبطة بالمجموعات الارهابية مثل (داعش)، هذا ما عزز من فرص التيارات اليمينية المتشددة في فرنسا من الظهور والبروز للساحة السياسية، خاصة دعوة هذه التيارات الى ترحيل المسلمين من فرنسا، فقد استغل اليمين المتطرف الخروقات الأمنية لبث الخوف بين الفرنسيين، ولم يتوانى عن استخدام عبارات عنصرية بصراحة تامة بعد أن كان الاعتماد في السابق على لغة الإيحاء والإشارة.
3- الاحداث الجارية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، والتي قادت الى اسقاط دول مثل ليبيا، واستمرار حروب اهلية في دول اخرى مثل (سوريا واليمن) هذا قاد الى حدوث هجرات واسعة من هذه المناطق صوب اوروبا، وفرنسا مما احدث نوعا من الرفض الشعبي داخل فرنسا لهذه الهجرات، وهو ما استغله اليمين لصالح حملاته الانتخابية الداعية الى وقف الهجرة، وترحيل الاجانب، وخاصة المسلمين.
4- توقع مركز (ستراتفور) الاستراتيجي احتمالية نهاية منطقة اليورو حال فوز (لوبان) بالرئاسة، لان احتمال انسحاب فرنسا بعد بريطانيا سيكون مقدمة لدول اخرى للانسحاب من الاتحاد الاوربي مثل ايطاليا وهولندا، وهو ما سوف يقود حسب راي المحللين الى انهيار الاتحاد برمته.
5- تعد هذه الانتخابات اول انتخابات منذ ستين عاما لا يترشح فيها للجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية أي مرشح عن أكبر حزبين لليسار أو اليمين في فرنسا.
على الرغم من صعود تيار اليمين المتطرف في فرنسا في هذه الانتخابات، مستغلا عدد من الاحداث في اوروبا، وعلى الرغم من اعلان المرشحة (لوبان) تنحيها عن رئاسة حزب الجبهة الوطنية اليميني من اجل إظهار أن اهتمامها ينصب على البلاد بمجملها وليس حزبها فقط، وتخفيف من حدة الانتقادات الموجه له بانه حزب يميني متطرف، الا ان اغلب التحليلات التي انطلقت بعد جولة الانتخابات الاولى تركز على احتمال صعود المرشح (مانويل ماكرون) للرئاسة في فرنسا، وهو يعد من تيارات الوسط الفرنسية، وهناك عدة احتمالات ترجح هذا الراي منها:
1- يُنظر إلى (ماكرون) مرشح الوسط وهو اصغر مرشح للرئاسة في فرنسا اذ يبلغ من العمر (39) عاما، وهو مصرفي سابق في مجال الاستثمارات، أنه وافد جديد إلى السياسة الفرنسية وخاض الانتخابات دون أي دعم من الأحزاب الكبيرة في فرنسا، وقد تجاوز الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية، ليتنافس في الجولة الثانية والنهائية مع مرشحة أقصى اليمين(مارين لوبان).
2- هذه الانتخابات هي الأولى خلال ستة عقود التي لم ينجح فيها أي مرشح من الأحزاب اليسارية أو اليمينية الرئيسية في بلوغ الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، لهذا وحسب التحليلات فان اقرب مرشح لخط هذه الاحزاب من ناحية البرامج الانتخابية داخليا وخارجيا هو مرشح تيار الوسط (ماكرون).
3- حسب الاستطلاعات فان من المتوقع أن يقف عدد من المنافسين السياسيين الذين جاءوا في مراتب متأخرة بعد (ماكرون) و(لوبان) خلف (ماكرون) في جولة الإعادة، في محاولة لإبعاد الجبهة اليمنية التي تنتمي إليها (لوبان) عن السلطة، فقد دعا (بنوا هامون)، مرشح الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، والذي فشل في إحداث تأثير يذكر في الجولة الأولى، الناخبين الذين صوتوا له لدعم ماكرون في الجولة المقبلة، وهو الأمر ذاته الذي فعله (فرانسوا فيون) مرشح حزب الجمهوريين (يمين الوسط).
4- برنامجه الانتخابي الداخلي الذي يحاكي اغلب طبقات الشارع الفرنسي، فقد دعا الى إطلاق برنامج استثماري حكومي تبلغ قيمته 53 مليار يورو للإنفاق على التدريب، والتخلي عن الفحم لصالح استخدام موارد الطاقة المستدامة، والبنية التحتية، وتحديث الاقتصاد الفرنسي، وخفض كبير في ضرائب الشركات، وإفساح المجال للشركات للتفاوض حول ساعات العمل الأسبوعية للعمال والموظفين التي تبلغ 35 ساعة، –خفض نسبة البطالة، ومنح كل من يبلغ عمره 18 عاما “بطاقة ثقافية” تبلغ قيمتها 500 يورو.
5- الدعم الشعبي الداخلي في فرنسا للأفكار الديمقراطية وغير المتطرفة، فعلى الرغم من كل ما مرت به فرنسا من احداث ارهابية ادت الى مقتل وجرح المئات من الفرنسيين، والتي استغلها اليمين المتشدد في حملته الانتخابية، الا ان الراي العام في فرنسا هو مع الاستمرار في الثبات على افكار الثورة الفرنسية (الحرية والاخاء والمساوات)، وان صعود الخط المتشدد هو تحد للقيم الليبرالية في فرنسا والمؤسسات السياسية الحاكمة.
6- الدعم الاوربي، وخاصة من الدول الداعمة لبقاء فرنسا ضمن الاتحاد الاوربي، فقد اعلن عن تبنيه أجندة ليبرالية مؤيدة للاتحاد الأوروبي وتقويته، وقد وجه خطابه بعد اعلان النتائج امام علم الاتحاد الاوربي وهي رسالة واضحة لكل من الموالين والمعارضين للاتحاد الاوروبي، كما وجه العديد من القادة الأوروبيين ورئيس المفوضية الأوروبية (جون كلود يونكر)، ومن مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، (فيديريكا موغريني) التهنئة إلى (ماكرون) على نتائج الجولة الأولى، لأنهم حريصون على تعزيز الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، وهو خط يخالف خط اليمين المتشدد الذي يريد صيغة جديدة للاتحاد، على ان يتبع ذلك استفتاء عام حول استمرار عضوية فرنسا فيه.
7- السياسة المتشددة الذي يتبعها حزب الجبهة الوطنية حيال المهاجرين من العرب والمسلمين، خاصة اعلان المرشحة عن الحزب (لوبان) في حملتها الانتخابية عن إغلاق المساجد الإسلامية “المتطرفة” ومنح الأفضلية للفرنسيين في ما يتعلق بالإسكان الحكومي، واستبعاد آلي للمهاجرين غير القانونيين من البلاد وتخفيض عدد المهاجرين القانونيين بما يصل غلى 10 آلاف مهاجر سنويا، اذ يبلغ عدد المسلمين في فرنسا (5) مليون مسلم، وعدد المصوتين العرب في فرنسا يبلغ (2) مليون مصوت، وهو سيكون له اثر في الجولة الثانية من الانتخابات، وسوف تذهب الاصوات للمرشح الذي هو اقرب اليهم.
8- لقد نقلت العديد من وسائل الاعلام ان موقف الحكومة الفرنسية الحالية هو الى جانب المرشح (ماكرون)، فقد دعا الرئيس الفرنسي (فرانسوا هولاند) مواطنيه إلى عدم التصويت لصالح مرشحة اليمين المتطرف (مارين لوبان) في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، ومثله دعا رئيس الوزراء الحالي (برنارد كازينوف) جميع الديموقراطيين إلى التصويت لصالح (ماكرون) في الجولة الثانية، وهو ماقد يزيد من احتمالات فوزه بمنصب الرئاسة الفرنسية.
على الرغم من كل الحظوظ التي يتمتع بها (ماكرون) في هذه الانتخابات، الا ان التوقعات تبقى هي سيدة الموقف، اذ ان المرشحة (لوبان) لها داعمين ايضا سواء في الداخل الفرنسي او من دول اوربية، فـ(لوبان) تلقت التهنئة ايضا من سياسيين مناهضين للاتحاد الأوروبي بعد نجاحها في الوصول للجولة النهائية من الانتخابات، ومنهم النائب الهولندي (خيرت فيلدرز) المناهض للوحدة الاوربية، كما وان لوبان مدعومة من قبل روسيا الاتحادية، فقد تلقت تهنئة من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في للبرلمان الروسي، (كونستانتين كوساتشيف)، الذي قال إن “مارين لوبان هي الأمل الوحيد في التغيير”، وهذا الدعم ايضا مهم خاصة بعد احداث الانتخابات الامريكية وما تلاها من اتهام روسيا بدعم المرشح (ترامب) وفوزه بالرئاسة الامريكية.
تأتي اهمية هذه الانتخابات بأنها سجلت قطيعة مع المشهد الانتخابي التقليدي الذي كانت تسيطر عليه الأحزاب الاشتراكية وأحزاب يمين الوسط، كما ان استمرار الاحداث المأساوية في الشرق الاوسط، وعدم وجود سياسة ثابته لفرنسا حيال المنطقة، والتعامل بازدواجية حيال اغلب القضايا فيها، سوف لن يغير شيئا في صعود هذا الطرف او ذاك، كما ان اغلب شعارات الحملات الانتخابية ينتهي بريقها مع اول يوم يجلس فيه المرشح على سدة الحكم، بعدها تبدا الاعمال الحقيقية في ممارسة سياسات داخلية وخارجية اغلبها تقليدية ومرسومة سلفا، حتى ان (ماكرون) الذي يعد المرشح الاوفر حظا للفوز بالرئاسة سيواجه هو الاخر مشاكل كبيرة في البرلمان الذي تسيطر الأحزاب الكبرى مثل الحزب الجمهوري والحزب الاشتراكي على أغلبية أعضاءه، ويتوقع المحللون أن تستمر هذه السيطرة، وبهذه الأوضاع سوف يكون (ماكرون)مضطرا للتفاوض مع أحزاب اخرى للحصول على دعمها في البرلمان لتمرير قوانينه وإصلاحاته التي أعلن عنها في حملته الانتخابية.