د. سعدي الابراهيم
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
مايو-ايار 2017
الشعوب الحية هي التي تتعلم من تجاربها، وعلى هذا الاساس فأن الانتخابات القادمة ستكون فرصة للعراقيين كي يثبتوا بأنهم قد تعلموا الدرس جيدا … .
—————————–
تعتبر التجارب السابقة من اهم المعلمين في التاريخ، سواء على الصعيد الشخصي كأفراد، او على الصعيد الجمعي عندما يتعلق الامر بتجربة شعب بأكمله، واذا كانت التجارب الفردية موجودة في حياتنا اليومية، وهي تختلف بعدد البشر واختلاف امزجتهم وظروفهم الخاصة، فأن التجارب الدولية التي تشير الى تعلم شعب من الشعوب، تكاد ان تنحصر في الدول المتقدمة وتقل في الدول غير المتقدمة، ولعل تجربة اليابان تعد مثال جيد في هذا الصدد، فبعد الخسارة الكبيرة التي تعرضت لها هذه البلاد في اربعينيات القرن المنصرم، بسبب التفوق التقني للعدو، وليس التفوق المعنوي او الروح الوطنية، ادرك اليابانيون ان خير سبيل للانتصار هو طريق التقدم العلمي. لذلك انطلقت الثورة اليابانية العلمية التي شملت كل قطاعات الحياة كرد على الهجوم الامريكي، وفعلا كانت النتائج مذهلة الى الدرجة التي باتت اليابان فيها مرشحة لاستلام عرش القطبية الاحادية.
العراق هو الاخر مر بتجربة فيها الكثير من اوجه الشبه بالتجربة اليابانية، فقد تعرض لهجمة شرسة تفوق ما تعرضت له اليابان، حل جيشه، ودمر اقتصاده واصبح على مفترق طرق، اسهلها ان يكون دولة فاشلة وجسد مريض تنتظر الجوارح الاقليمية والدولية موته كي تقوم بافتراسه، ومن اوجه الشبه ايضا ان الفاعل هو نفسه في كلا المثالين، اليابان والعراق، وهي الولايات المتحدة الامريكية عندما ضربت اليابان واحتلت العراق واساءت ادارته .
والسؤال الذي يطرح هنا، هل تعلم العراقيون من تجربة السنين الممتدة بعد عام 2003، كما تعلمت اليابان ؟ وبشكل اكثر دقة هل سيعيد العراقيون الانتخاب على اساس الهويات الفرعية، فيسمحون للقوى السياسية التي لم توفق في ادارة البلاد للبقاء فترة اخرى على ظهر السلطة، ام ان الانتخابات القادمة ستثبت العكس، اي ستكون انتخابات على اساس الوطنية والخبرة والكفاءة، بغض النظر عن الهويات الفرعية او الاولية ؟
ما دمنا نتحدث عن المستقبل، فبالتالي لن تكون امامنا الا اجابات مفترضة، لكنها مبنية على معطيات ودلائل حقيقية، من خلالها ستكون جغرافيا الانتخابات القادمة بالشكل الاتي:
اولا – المناطق الشمالية من العراق:
ونقصد بها المحافظات الثلاثة، اربيل دهوك السليمانية، هذه المحافظات لم تمر بتجربة تساوي بالعظمة تجارب بقية المحافظات العراقية بعد 2003، لذلك فلن تكون هناك تغيرات تذكر في تعاطي المواطن العراقي مع الانتخابات. بمعنى سينتخب المواطن الكردي السياسي الكردي فقط. لكنه قد يتجه الى القوى السياسية الكردية الصاعدة، مثل جبهة التغيير والاحزاب خارج اطار الحزبين الرئيسيين : حزب السيد جلال الطلباني وحزب السيد مسعود البرزاني، والسبب في هذا التحول البسيط هو تدهور الوضع الاقتصادي للاقليم والسعي لشيء من التبادل في السلطة بعد تشبثت هذه الاحزاب بالسلطة.
ثانيا – المناطق الغربية من العراق:
ويقصد بها المحافظات : نينوى والانبار وصلاح الدين، وهي المحافظات التي كانت تجربتها اكثر مرارة وقسوة من البقية، كونها قد تمسكت بالهوية الفرعية سواء بأراداتها ام رغما عنها في فترة من الفترات، لكنها اكتشفت في مرحلة لاحقة ان الذي تمسكت به هو ليس حبل النجاة بل حبل المشنقة، حبل تدميرها، وتهجيرها، وقتل ابنائها، لذلك من المفترض ان تزداد رغبتها بالتغيير، وان لا تعيد انتخاب نفس القوى السياسية التي كانت السبب في ايصالها الى ما هي عليه الان، او على الاقل فشلت في ان تحميها منه، بل ستنتخب وجوه جديدة من النخب الصاعدة، او حتى من الشخصيات المهمة في العراق بغض النظر عن انتماءها المذهبي. ولعل فرص السيد حيدر العبادي، ستكون جيدة فيها، على اعتبار انه قد خلصها من تنظيم داعش، وقد حسن من علاقة القوات الامنية معها.
ثالثا – المناطق الوسطى والجنوبية من العراق:
هذه المناطق وان عانت من ظروف ما بعد عام 2003، لكن معاناتها بقيت ضمن المعقول والمقبول، الا ان الجهد الكبير الذي بذلته الفصائل المقاتلة، والرموز الدينية والسياسية التي ساندت تلك الفصائل، قد تؤثر على خيارات الناخب فيها، بحيث سيكون للرموز الدينية والسياسية التي دعمت القوات الامنية خاصة الفصائل المسلحة، حصة اكبر من الاصوات.
القوى المدنية الصاعدة ايضا سيكون لها حصة جيدة من الاصوات .
لكن على العموم، لن تحدث تغيرات كبيرة في نتائج التصويت في هذه المحافظات وستبقى القوى التقليدية المسيطرة، مثل التيار الصدري والمجلس الاعلى وحزب الدعوة، تحتل المراكز الاولى في افضليات المواطن الانتخابية . ولعل السيد حيدر العبادي سيكون له حصة ممتازة مقارنة ببقية السياسيين، كونه قد بذل جهود واضحة لتحرير البلاد وتمكنه من ابعاد خطر داعش عن هذه المحافظات بعد ان كان التنظيم على ابوابها .
رابعا – بغداد وكركوك :
لبغداد وكركوك وضع خاص، فالأولى عاصمة يعيش في جنبيها خليط من الهويات الفرعية، بحيث لا يمكن الجزم بهويتها، حتى تجربتها هي من النوع الخاص، فهي حاضنة لكل العراقيين، المبعدين عن محافظاتهم والطامحين بلعب ادوار سياسية، فضلا عن سكانها الاصليين . وبسبب قرب سكانها من اروقة النظام السياسي كونه موجود فيها، ولقلة تأثير الهويات الفرعية عليها، فأن هناك احتمال كبير ان يعطي البغداديون اصواتهم للنخب السياسية الجديدة او الصاعدة، لكن دون ان تشكل هذه النسبة اغلبية او رقما محوريا، كون البعض من مناطق المحافظة قد تتأثر بالقوى السياسية التقليدية، خاصة الاسلامية منها التي عرفت كيف تكسب المواطنين وتحصل على تصويتهم .
اما فيما يتعلق بمحافظة كركوك، فبالرغم من وجود بعض الخلافات العربية – الكردية، على ادارتها، فأنها وبسبب الظروف التي ترتبت على دخول داعش الى العراق وتنامي نفوذ القوات الكردية فيها، فأنها ستصوت لصالح القوى الكردية بسبب قوة تأثير الاكراد السياسي عليها .
اذن، الانتخابات القادمة ستكون المختبر الحقيقي للشعب العراقي، وستبين جغرافيتها مدى الاستفادة من التجارب السابقة، على الاخص الهجمة الارهابية والفساد المالي والاداري التي ضيعت على البلاد الوقت والاموال، وذهبت ضحيتها الالاف الارواح البريئة .