ميثاق مناحي العيساوي
قسم الدراسات الدولية/ مركز الدراسات الاستراتيجية–جامعة كربلاء
مايو/ أيار 2017
أثمرت اجتماعات العاصمة الكازاخستانية بخصوص الأزمة السورية عن توقيع مذكرة لوقف الأعمال القتالية في سوريا بين الدول الضامنة للمحادثات وهي (روسيا وتركيا وإيران) يوم الخميس الماضي. وتنص هذه المذكرة على تخفيف التوتر في اربعة مناطق في سوريا وهي (إدلب وشمالي حمص والغوطة الشرقية وجنوبي سوريا)، وهي مناطق تسيطر قوات المعارضة على غالبية مساحاتها. وتعد هذه الخطوة نقطة تحول إيجابي تمخضت عن محادثات الأستانة في توفير فرصة لخلق تأثيرات إيجابية بشأن تخفيف تصعيد النزاع، إذا ما التزمت الدول الضامنة بذلك؛ لأن الثلاث دول الضامنة تمتلك تواجد عسكري على الساحة السورية، وربما تكون محادثات الأستانة (4) دفعة قوية لمحادثات جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة فيما بعد.
لاقت محادثات الأستانة ترحيب دولي وإقليمي كبير، لاسيما من قبل الحكومة السورية على لسان رئيس الوفد الحكومي السوري بشار الجعفري، باستثناء قرار انسحاب المعارضة السورية، احتجاجا على تواجد إيران كطرف راعِ في اتفاق المناطق الآمنة. ووصف البعض هذا القرار “قرار الانسحاب” بالقرار الخاطئ، وبأنه دليل على انعدام الخبرة السياسية للمعارضين. ويتضمن اتفاق الأستانة أيضاً مسودة اتفاقية تنضم لنظام الهدنة ومسودة بروتوكول حول تعزيز نظام وقف إطلاق النار وعمليات تبادل الأسرى. وفي حال توصلت الدول الضامنة للهدنة او للاتفاق إلى توافق بشأن الوثيقة الروسية ووقعت عليها، فستصبح هذه المذكرة ملزمة وسيكون تنفيذها على دمشق والمعارضة تحصيل حاصل، على الرغم من صعوبة تنفيذها على أرض الواقع كخطوة أولى. ويعيد مفهوم المناطق الآمنة إلى الأذهان “القرار الذي اتخذ بشأن الملاذ الآمن في شمال العراق، لا سيّما بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 688 في 5 نيسان (أبريل) 1991، الذي أدان القمع الذي يتعرّض له المدنيون العراقيون في أجزاء كثيرة من العراق“. أن فكرة المناطق الآمنة في سوريا في حال نجاحها ستؤسس إلى مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى: مرحلة تبريد القتال : اعتبارا من يوم السبت يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وقد عبرت موسكو عن استعدادها لأرسال مراقبين إلى المناطق الآمنة والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية بشأن سوريا، وفي حال نجاح جهود الدول الضامنة بشأن المناطق الآمنة في سوريا، حينها ريما يكون هناك حديث عن سحب وحدات عسكرية تابعة لجمهورية إيران من الأراضي السورية. ووفقاً لمذكرة الاتفاق بين الدول الضامنة سيتم رسم حدود مؤقته لكل منطقة وتحديد نقاط تفتيش وحواجز تفصل بين هذه المناطق وجارتها في سوريا (أي بين المعارضة وبين الحكومة السورية)، وسيتم نشر قوات من قبل الدول الضامنة أو المجاورة لضمان عدم الاشتباك، بينما ينتقل المدنيون بسهولة من باقي المناطق، ولكن لا يزال حضر الطيران فوق هذه المناطق غامض باستثناء الطائرات الحربية الأمريكية، إذ ستكون المناطق الآمنة في سوريا مغلقة أمام الطائرات الحربية الأمريكية، وفق ما ادلى به رئيس الوفد الروسي إلى الأستانة. وقد تثير فكرة المناطق الآمنة بعض المخاوف، ومن أبرز هذه المخاوف التي تثيرها هذه الخطة التي تهدف إلى التهدئة بين أطراف الأزمة السورية، الخشية من تحولها إلى تقسيم مستمر لتؤسس إلى علاقة فيدرالية فيما بعد بين هذه المناطق داخل سوريا، لاسيما وأن قرار المناطق الآمنة في شمال العراق عام 1991، أسس لمناطق حكم ذاتي لحد الآن، وقد تحول هذا الحكم الذاتي إلى دعوات انفصال من قبل القيادة الكردية. وهذا الكلام يدور في مرحلة أولى وهي مرحلة ما تسمى “تبريد أو تخفيف القتال” ومن ثم لتبدأ المرحلة الثانية.
ثانياً: مرحلة الحل السياسي: وفي هذه المرحلة يتم الحديث عن الحل السياسي، إذ سيكون تمثيل المعارضة على طاولة المباحثات بحجم نفوذها على تلك المناطق، وقد تكون هذا المرحلة دفعة قوية لمحادثات جنيف والحديث عن الحل السياسي بين الاطراف المعنية في الأزمة السورية، وأن أستئناف محادثات جنيف مرتبط بنتائج محادثات الأستانة (4) على أرض الواقع.
هذا الاتفاق قد يؤطر إلى واقع حال، ويخلق تحدي لمستقبل سوريا بمرور الوقت، على الرغم من أن بيان الأستانة أكد على وحدة سوريا واستبعد فكرة التقسيم عن طريق تأكيده على “الالتزام بسيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية (أي إبعاد فكرة التقسيم التي يتم التلويح بها) من جانب القوى الخارجية وبعض الجماعات المسلحة والمعارضة أحياناً”. لكن وعلى الرغم من دلائل القبول الدولية والإقليمية بشأن نتائج محادثات الأستانة وتحفظ المعارضة السورية على دور إيران، إلا أن هناك كثير من المؤشرات التي قد تطيح بهذا الاتفاق، لاسيما وأن كثير من الفصائل والمليشيات المسلحة المعارضة للحكومة السورية لم تشترك بهذا الاتفاق، ولعل أبرزها حركة “أحرار الشام” و”صقور الشام”، و”فيلق الرحمن”، و”ثوار الشام”، و”جيش إدلب”، و”جيش المجاهدين”، و”حركة نور الدين الزنكي”، ومن ثم ستسعى تلك الحركات إلى أفشال الاتفاق بعدم التزامها بوقف اطلاق النار، وتبادل الأسرى، فضلاً عن ذلك فأن تضمين الاتفاق في بعض المناطق وعدم تضمينه في مناطق أخرى سيكون مبرراً لضرب الاتفاق نفسه؛ وذلك بسبب وقوع بعض حالات الاشتباك والمناوشات التي تحدث في المناطق التي لم يتضمنها الاتفاق. وبذلك قد تكون هناك منطقتان وفق هذا الاتفاق، منطقة تخفيف النزاع ومنطقة تصعيد النزاع؛ فضلا عن خروقات الاتفاق نفسه وعدم وضوح الآليات التنفيذية لهذا الاتفاق وعدم معرفة ما هي القوات التي ستقوم بهمة الفصل بين هذه المناطق، وكذلك ضعف الدور الأمريكي والعربي في هذا الاتفاق. وبذلك قد يكون اتفاق تخفيف النزاع لا يؤسس لهدنة ثابتة ولا لحل سياسي منصف للجميع. وعليه ربما تكون الصورة الافضل لهذا الاتفاق أن تكون هذه المناطق الآمنة تحت أشراف الأمم المتحدة ضمن مشروع الحل السياسي وان تكون هناك رؤية سياسية واضحة ترافق هذا المشروع.