د. سعدي الابراهيم
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
مايو-ايار2017
الدول الذكية هي التي لا تسمح للأنهار بمغادرة اراضيها الا على شكل قطرات، عن طريق استغلال مياهها في الزراعة والسياحة والصناعة وتلطيف الاجواء…
لا تحتوي جميع دول العالم على نسبة متساوية من المياه، بل ان بعضها ولدت عطشانة لكنها وبسياسات واستراتيجيات معينة، اصبحت منتج رئيس للمياه المقطرة في العالم.
وبعض الدول رغم انها جنات تجري من تحتها الانهار لكنها عجزت عن الاستفادة من هذه المياه، وصارت تبيع برميل النفط لتشري بثمنه برميل ماء معقم.
هذا التباين بين الدول في استغلالها للمياه لا يعود الى عوائق او مقومات طبيعية، بل هو ناتج عن اختلاف في رسم السياسات العامة وفي طريقة تنفيذها ومراقبتها.
وبقدر تعلق الامر بالعراق، فانه يعد من اهم البلدان المائية في العالم، الى الدرجة التي كانت اراضيه تسمى ببلاد ما بين النهرين، وكانت انهاره هي السبب في نشوء الحضارات العريقة، ونشوء الزراعة والصناعة البدائية، وفي الوقت نفسه كانت سبب لتعرضه للغزوات والاحتلالات المتكررة.
عراق اليوم ربما انه اقل حظا من العراق القديم، في علاقته مع الانهار الدائمة التي تخترق اراضيه من الشمال الى الجنوب، فهو بلد بات غير زراعي وغير صناعي، يعتمد على الدول الاخرى في كل شيء، حتى في شرب الماء !!، اذ تغزو اسواقه قناني المياه المقطرة المصنوعة عند هذا الدولة وتلك، وبعض الدول تبيعه الماء رغم عدم احتوائها على الانهار بل تستخرج المياه من باطن الارض على شكل مياه جوفية من الابار.
سوء ادارة الدولة العراقية للملف المائي لم يحرمها من مردودات الزراعة والصناعة والسياحة فحسب، بل جعلها في صدام دائم مع رمال الصحراء الغاضبة، فخروج الانهار من ارض البلاد دون استغلالها يعني بأنها بلاد جافة وارضها عطشانة ورمالها حارة ومتطايرة.
ان ظاهرة التصحر تعاد وتتجدد مع نهاية كل فصل شتاء ومع مجيء كل فصل صيف، ومشهد الجو المعتم والاتربة المتطايرة كأنها وحش او غول عظيم يريد ان يخنق الانسان الذي عجز عن ارواء الصحراء او زراعتها، مشهد محزن وكئيب ومرعب يكاد ان يكون جزء من الحياة اليومية لكل المحافظات العراقية.
وعلى هذا الاساس فأن الدولة كي تتهادن مع الصحراء، لابد لها من ان تستغل وتستثمر المياه، وفق جملة من السياسات العامة والاليات، ومن اهمها الاتي:
اولا – تفعيل دور وزارة الزراعة، ويفضل الاستعانة بالخبرات الدولية في هذا المجال.
ثانيا – توظيف أكبر عدد من العاطلين عن العمل في وزارة الزراعة على شكل فلاحين، ومهندسين، وملاحظين.
ثالثا – وضع سياسة عامة محكمة تتضمن الاتي:
1 – زراعة أكبر مساحة من الاراضي الجدب غير المأهولة بالسكان، بالمحاصيل الاستراتيجية، الصيفية والشتوية.
2 – زرع غطاء اخضر في المساحات المتبقية خارج إطار المحاصيل الاستراتيجية.
رابعا – استحداث وزارة جديدة، وتسميتها (وزارة الثروة المائية) او (وزارة الانهار)، الغرض منها الاشراف على استغلال الانهار في شتى المجالات، ومنها:
1 – تلطيف الاجواء، عن طريق انشاء نوافير عملاقة ترش الماء في سماء المدن.
2 – الاكثار من الواحات المائية وسط كل مدينة.
3 – التعاون مع وزارة الصناعة لأنشاء محطات كبيرة لإنتاج المياه المعقمة بحيث تغطي الاحتياجات المحلية، وتتجاوزها الى التصدير، مما يوفر للعراق فرص جديدة للدخل القومي.
هكذا، إذا لم تتخذ الحكومة العراقية سياسات واليات علمية محكمة للتعامل مع مشكلة التصحر، من قبيل توظيف العاطلين عن العمل في قطاع الزراعة، فأن مياه دجلة والفرات ستستمر بعبور حدودنا الدولية دون ان يستفاد منها ابناء الوطن.