د. سعدي الابراهيم
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
يا إلهي، ما هو السر الذي تمتلكه اسرائيل، حتى تكون اقوى من العرب بأجمعهم، مع ان عمرها لا يتجاوز عمر ابي المولود عام 1944، وبلادي تكبرها بــ 8000 الالاف سنة !!
—————–
بالرغم من ان الدول تتشابه من حيث طريقة تشكيلها، وصيرورتها التاريخية، لكنها مع ذلك تختلف من حيث امتلاكها لعناصر القوة التي تبعث على استقرارها وتقدمها، وكذلك من حيث مكامن الضعف التي تنهش جسدها وتجعلها غير ثابتة وغير مستقرة، على الاخص عندما تترافق مكامن الضعف مع وجود تحديات خارجية تتربص بها.
اسرائيل رغم تشابهها مع بقية دول العالم من حيث طريقة التشكيل، على الاخص بلدان الشرق الاوسط، الا انها تختلف عنها من حيث عناصر القوة ومكامن الضعف، فهذه الدولة التي ابصرت النور في نهاية الاربعينيات من القرن الماضي، بعد ان انسحبت بريطانيا من فلسطين، لم يكن احدا يتوقع انها ستستمر لأكثر من عقد من الزمان، على الاخص مسألة وجودها وسط بيئة معادية، تتمثل بالدول العربية القومية – الاسلامية، التي اعتبرت تشكيلها مؤامرة غربية لأضعاف العروبة والاسلام معا، وعلى هذا الاساس شنت الدول العربية ولأكثر من مرة الحرب عليها، كما حدث عام 1948 و 1967 و1973، وغيرها .
وعند السؤال عن النتائج التي حققتها تلك الحروب، فستكون الاجابات صادمة، حيث فشل العراب فرادى وجماعات، في ان يحركوا اسرائيل عن مكانها او يجبروها على قبول السلام وحل القضية الفلسطينية وفق شروطهم، بل على العكس اضطروا في النهاية الى ان يقبلوا هم بالحلول الاسرائيلية !!
ومما يزيد التعجب والذهول، ان هذه البيئة غير الصديقة التي تعيش فيها اسرائيل والتي كانت من المفترض ان تكون عاملا سلبيا بالنسبة لها، او على الاقل ان يشعرها هذا العامل بعدم الاستقرار، ويعيق اي حالة من التقدم والازهار فيها، صارت هذه البيئة على العكس من ذلك عاملا ايجابيا، دفعها لزيادة قوتها واستقرارها، لصالح تراجع العرب وتشتتهم، وتمزق بلدانهم، حتى صرنا نتحدث عن فيدرالية وانفصال وتقسيم في داخل كل بلد عربي، بعد ما كنا نتحدث عن الوطن العربي الكبير، والدولة العربية الموحدة !!
قد يكون البعض من اسباب الضعف العربي معروفا، وقد يكون البعض الآخر منها مخفيا، فمن المعروف عنه ان العرب لا يركزون على التنمية والتطور والتقدم العقلي والعلمي، بل تقود الكثير منهم العواطف الجياشة والشعارات العظيمة والبراقة من الخارج، والجوفاء والفارغة من الداخل.
اما عن اسرار قوة اسرائيل، فهذا الامر ليس بالسهولة البحث فيه، او مناقشته، لا، لأن اسرائيل تعترض عليه او يرفضه العرب، لكن لأن اسرائيل صندوق اسود مغلق لم تكشف الكثير من شفراته الى يومنا هذا، وهذا هو اللغز والسر الاول من اسرار قوتها، فقديما قالت العرب: إذا اردت ان تهزم عدوك فالتزم الصمت. نعم صمتت اسرائيل ، وتركت العرب يحوكون القصص والروايات عنها، ففي سبعينيات القرن الماضي صدق البعض من الحكام العرب اشاعة تفيد بان اسرائيل امتلكت السلاح النووي، وانها ستستخدمه في اي حرب جديدة معهم، فسارع الرئيس المصري السادات و وقع معها اتفاقية (كامب ديفيد للسلام)، مع ان علماء الغرب انفسهم، جزموا جميعا ان اسرائيل في تلك الفترة لم تكن مؤهلة لامتلاك مثل هذه الاسلحة التي تحتاج فترة بناءها الى عمر يتجاوز عمرها القصير، فضلا عن عدم امكانية استخدامها، كونها بلد صغير قد يزول اذا مسته رياح التفجيرات النووية.
وفي مراحل لاحقة غول العرب اسرائيل حتى صارت شبح، يحول بين العربي ونفسه، وبدأ رواد نظرية المؤامرة يهمسون في اذان اطفالهم ونخبهم واجيالهم الصاعدة: اسرائيل هي السبب في نكبتنا، وهي السبب في خسارتنا لكرة القدم، وفي صراعتنا المذهبية، وخلافاتنا العائلية، وفساد شبابنا، وانحطاط قيمنا، وانهيار اقتصادنا، وكره العالم لنا، حتى عم الخوف ومشاعر التثبيط في النفس العربية.
ولكي لا يطول الحديث بنا، وإذا ما اردنا نتعرف على سر ولغز قوة اسرائيل، فمن الممكن ان نرجعه الى الاسباب الاتية:
اولا – وجود العدو الحقيقي الداعي للوحدة الداخلية:
من عناصر القوة التي هيئها العرب لإسرائيل، هو عدائهم العلني والمستمر لها، حيث وظفت الحكومات المتعاقبة على هذه الدولة الكره والعداء العربي لها لصالح بناء دولة قوية ومتماسكة من الداخل، وكل شخص يحاول ان يعبث بأمن واستقرار اسرائيل يتم تذكيره بأن الذئب (العرب) على الباب، فيسكت وينسجم مع الدولة.
ثانيا – العرب يقولون ما لا يفعلون:
أدركت اسرائيل منذ بداية تشكيلها، ان الكره العربي لها لن يترجم الى افعال بل هو شعارات واقوال فقط، وبالتالي لا تشكل خطر عليها، لذلك اسست دولتها دون ان تتعامل مع اي تهديد عربي على انه حقيقة.
ثالثا – نكران العرب لفضل الدول الغربية عليهم، عكس اسرائيل:
لا أحد يستطيع ان ينكر، ان الغرب هو الذي اسس الدول العربية واحدة بعد الاخرى، ونقل اليها نظامه السياسي والاداري والتعليمي والاقتصادي، وفعل ذلك مع اسرائيل ايضا، وفي الوقت الذي قبلت اسرائيل يد الغرب وشكرته على ذلك، جرت العاطفة العرب الى طرد الغرب ونكران دوره في تأسيس دولهم، فأخرجت الجيوش الغربية بالحديد والنار، وخرج الاقتصاد الغربي بقرارات التأميم. لذلك حافظ الغرب على اسرائيل كحليف وفي ومخلص، وندم على تأسيس الدول العربية وفقد ثقته بها الى يوم الدين، واخذ يتعاون مع اسرائيل لتفتيت الاخيرة والانتقام منها، والدليل ان الدول الخليجية التي لم تطرد الغرب، بقي الاخير محافظا على امنها واستقرارها، كونها نجحت في كسب ثقته.
رابعا – الغرب ومستقبل العرب:
لا يخفي العرب على الاخص المتدينون منهم، انهم في حال صار لهم قوة وبسطة في الارض من مال وسلاح، فأنهم سوف لن يتركوا الغرب يعبث بمصير العالم، وينشر قيمه الاخلاقية التي لا تتفق مع دينهم الحنيف، بل سيقومون بتهديم حضاراته واجباره على اعتناق القيم الاسلامية. هذه الحقيقة يفهمها الغرب ويدركها جيدا، لذلك فمن الطبيعي ان يمد يده لإسرائيل التي تجاهر بتبعيتها له، وسيرها على نهجه، وان يعمل على تراجع العرب وتهديم دولهم وحرمانهم من اي فرصة حقيقة للنهوض.
خامسا – الهوية الدينية:
من المعروف ان الهوية الدينية هي من أكثر الاواصر التي تربط الانسان بالإنسان، وهي اقوى عصبة من الممكن ان يلتف حولها شعب من الشعوب، خاصة إذا ارتبطت بالأرض والتاريخ والدنيا والاخرة، هكذا تمكنت النخب المتعاقبة على حكم اسرائيل، من ان تلف الشعب حولها، من خلال اعتبار نفسها دولة دينية، مؤيدة من الله (شعب الله المختار).
اذن، تقف وراء قوة اسرائيل جملة من الاسباب ذكرنا بعضها وبقي الكثير، والعرب إذا ما اردوا ان يحسموا صراعهم معها، عليهم ان يتفهموا اسرار والغاز قوتها، كي تكون سلوكياتهم تجاهها عاقلة ورشيدة وواقعية.