بقلم: د. محمد سلمان محمود
دكتوراه القانون الدولي الجنائي
رئيس قسم القانون الخاص –كلية القانون-جامعة ميسان
كاتب مقالات رأي في مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
حزيران-يونيو 2017
ان اهوار العراق إرث حضاري، تأريخي “عالمي ” عمرها خمسة الاف سنة، لم تعد قصة حضارة منسية، لم تعد حلقة جافة بين الماضي السومري والحاضر العراقي. وتقع الأهوار في الجزء الجنوبي من العراق، وتضم المنطقة المثلثة الواقعة بين مدينتي العمارة شمالاً والبصرة جنوباً وشرقاً وقضاء سوق الشيوخ غرباً، وتتخلل الأهوار جزر صغيرة وتعد بنظر المختصين نظاماً بيئياً فريداً يضم أراضي رطبة ومستودعاً للمياه العذبة الدافئة في محيط صحراوي وتضم مياهها صنوفاً من الأسماك ونباتات القصب والبردي التي يعتمد عليها السكان في بناء منازلهم. كذلك الأهوار العراقية هي أكبر نظام بيئي لامثيل له في الشرق الأوسط وغربي آسيا بمسطحاته المائية العذبة الممتدة بين نهري دجلة والفرات على مساحة تقدر بنحو 16 ألف كيلو متر مربع. وعلى مدى هذه المساحة، يؤمن هذا النظام البيئي الفريد الحياة لما يقارب 81 نوعا من الطيور، منها طائر الثرثار العراقي وطائر المغرد لقصب البصرة، وأبو منجل المقدس. كما تعتبر محطة توقف مهمة للطيور المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا، بالإضافة إلى أنواع نادرة من أسماك الماء العذب والحيوانات البرية والأبقار والجاموس. وكان عدد سكان الأهوار يقدر بحوالي 400 ألف نسمة تقلص عددهم بعد حملة الإبادة والتجفيف التي ارتكبها بحقهم النظام السابق في تسعينيات القرن الماضي إلى 85 ألفا من هذا وذاك ترتبت حقوق مكتسبة للعراق في الاهوار.
ان فكرة الحق المكتسب هي مستوحاة من مباديء القانون الدولي باعتبارها من احد مبادئه, وهذا ما اكدته محكمة العدل الدولية في قراراتها الصادر في 25 ايار لسنة 1926. وان مفهوم الحق المكتسب للاهوار: هو الاستغلال التاريخي او الطبيعي المتواتر لمدة طويلة ومحدد ذلك في الوثائق الدولية. وان الحق المكتسب معروف في القانون الدولي منذ زمن طويل وكان له معنى مقدس. وان مصادر الحق المكتسب للاهوار العراقية اثنان: اولهما مصادر تاريخية اكتسبتها الاهوار نتيجة الاستغلال والانتفاع من خيراتها لفترات طويلة من الزمن. وثانيهما مصادر بموجب الوثائق الدولية وهذا ما تم الاعتراف به حاليا في المؤتمر الدولي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بانضمام الاهوار العراقية الى لائحة التراث العالمي في 2016, وبالتالي اصبحت للاهوار العراقية حقوق مكتسبة من الناحية الداخلية والدولية, وهذا يؤدي الى احترام وحماية الحقوق المكتسبة باعتبارها مبدأ من المباديء المستقرة في القوانين الدولية والداخلية. وقد حرصت الامم المتحدة في الوثائق الصادرة عنها على تاكيد ضرورة احترام الحقوق المكتسبة.
ونتيجة للجهود المتواصلة للحكومة والوفد العراقي في تركيا مكان انعقاد المؤتمر، حيث ذكر رئيس الوفد العراقي قحطان الجبوري: إن “وفداً من العراق ذهب الى اسطنبول، للمشاركة في اجتماعات لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة التربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو )”، مشيراً الى أن الوفد ضم عدد من المسؤولين في وزارات الصحة والبيئة والموارد المائية والثقافة والسياحة والاثار، فضلاً عن محافظي ذي قار وميسان وممثل العراق في اليونسكو وخبراء في مجالات الآثار والمياه”.
وأضاف، أن “نحو 171 دولة من الدول الاعضاء في المنظمة شاركت في اجتماعات اللجنة بحضور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان”. وبعد استكمال اللجان الفنية والثقافية العراقية كافة شروط المشاركة والاجابة عن التساؤلات المطروحة من قبل لجنة التراث العالمي في منظمة اليونسكو”. وبعد تصويت 13 عضوا من بينها الكويت ولبنان وإيران وفرنسا وكازاخستان وفنلندا واندونيسيا والبرتغال وتونس وتنزانيا وفيتنام واليابان والبيرو، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) على إدراج منطقة الأهوار الوسطى والجنوبية، ومواقع أور وأريدو والوركاء، ضمن لائحة التراث العالمي في 18-7-2016 واعتبارها مناطق تخضع الجزء منها الى المحميات الدولية، والتي تعتبر ملك للعراق لكن واجب تطبيق المعايير الدولية من اجل حمايتها والحفاظ على معالمها الطبيعية من دون تغيير. وبذلك سيكون للعراق ثمانِ مواقع على لائحة التراث العالمي، حيث ادرج العراق على مدى تاريخه اربعة مواقع فقط وهي اشور وسامراء والحضر وقلعة اربيل.
ان استراتيجات التفاوض على ضم الاهوار الى لائحة التراث العالمي كان الوفد العراقي يرفض اللجوء الى التصويت من دون الحصول على التوافق الدولي لانه في نفس الوقت كانت كل من ايران و تركيا و فرنسا قد اعترضوا على أدراج ملف الأهوار العراقية ضمن لائحة اليونسكو للتراث العالمي”، وتعلل ايران رفضها بـ”اسباب جغرافية” فيما تعترض تركيا لارتباط الاهوار بملف المياه والسدود الذي يشهد خلافا بين العراق وتركيا منذ تسعينات القرن الماضي، بينما تقول فرنسا ان العراق متهم بـ”تخريب” تلك الاهوار . ويحلل الكاتب ان اسباب اعتراض ايران وتركيا كثيره ومن اهمها باعتبارهما دول المنبع لنهري دجلة والفرات وبالتالي اي عملية اعتراف وانضمام الاهوار العراقية الى لائحة التراث العالمي يعتبر اعتراف دولي بالحقوق المكتسبة للاهوار والضغط على ايران وتركيا بتحديد حصة العراق من النهرين لاعتبارهما مصدر لمياه الاهوار وحقا مكتسبا له. اما فرنسا حجتها بذلك غير مشروعة دوليا لان عملية تخريب الاهوار في ظل النظام السابق كما تدعي يعتبر هذا شأنا داخليا للحكومة العراقية الحالية والتي عملت على اصلاحه ولا يحق للدول الخارجية ومنها فرنسا بموجب قواعد القانون الدولي والوثائق الدولية التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى.
من جانب اخر, ان ضمانات توفير الحماية الدولية لمناطق الاهوار العراقية نتيجة الاعتراف بها هو تعهد الأمم المتحدة بحمايتها والحفاظ عليها، وسيضمن اهتماما دوليا امميا خاصا، فمنسوب الأهوار المائي سيبقى ثابتا وتحت رقابة بموجب اتفاقات دولية. بينما ستخصص أموالا لمشاريع تنموية للسكان الأصليين وإعادة السكان المهاجرين وسيساعد على الاستقرار الاجتماعي ورفع المستوى الاقتصادي للسكان، وتحويل الأهوار نفسها إلى موقع سياحي يقصده السياح من أنحاء العالم كافة، لكنها تبقى برغم كل ذلك، ملكا للدولة العراقية التي تقع ضمن حدودها.
وبالنسبة للاهوار سيساهم ادراجها على لائحة التراث العالمي في إنعاشها بصورة أكبر، إذ إن الأهوار ستكون تحت وصاية وحماية اليونسكو التابعة للأمم المتحدة التي ستضغط على تركيا لإطلاق الحصص المطلوبة من المياه بموجب الاتفاقيات الدولية المعقودة ما بين الدول المتشاطئة، وان الأهوار التي ما زالت تحتاج تجهيزاً مائياً عالياً لفترة طويلة حتى تعود إلى ما كانت عليه في منتصف القرن الماضي. وتكمن الاهمية ايضا بضمّ المواقع الأثريّة والتراثيّة إلى لائحة التراث العالميّ، في أنّها ستدار من قبل منظّمة اليونيسكو التابعة للأمم المتّحدة، والّتي تقوم بدورها بتصنيف وتسمية والحفاظ على تلك المواقع ودعمها بمساعدات ماليّة بموجب إتفاقيّة “حماية التراث العالميّ الثقافيّ والطبيعيّ” المعلنة في 17 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1972 ووقّعت عليها 189 دولة ومن ضمنها العراق.
التحديات وحلول المستقبلية للحفاظ على الحق المكتسب للاهوار في لائحة التراث العالمي:
ان عملية ضم الاهوار العراقية في لائحة التراث العالمي لا تكفي، لانه موجب اتفاقية 1972 لحماية التراث العالمي والثقافي او الطبيعي على العراق ان يقدم تقارير سنوية عن كيفية تطوير واستغلال وحماية الاهوار والا بمرور ثلاث سنوات من تاريخ الاعتراف إذا خالف العراق أحد بنود الاتفاقية سوف يسحب الاعتراف بهذا التراث العالمي ويفقد العراق حقه المكتسب في الاهوار.
من هنا نوصي لحماية الاهوار والحفاظ على المحميات الدولية بموجب الاعتراف العالمي على ضرورة:
- عدم السماح للحكومة العراقية بتجفيف الاهوار تحت اي عذر.
- تفعيل قانون حماية البيئة العراقي لسنة 2009 من اجل حماية هذه المناطق الاثرية من التلوث وضمان الحفاظ على الحقوق المكتسبة فيها.
- عدم السماح بقيام اية حروب في الاهوار.
- عدم السماح لدول المنبع لمياه الاهوار بقطع او تقليل الحصص المائية بما يؤثر عليها مع ضرورة الالتزام بتطبيق بنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالانهار الدولية.
- عدم السماح باي صيد للكائنات الحية في الاهوار باعتبارها ثروة للجميع وليس ملك لاحد.
- حماية الطيور المهددة بالانقراض واعادة تكاثرها في الاهوار عن طريق توفير بيئة مائية مستقرة.
- ضرورة اضافة مادة تسمى بالاثار والتراث الى مناهج التربية والتعليم.
- ايصال خدمة التعليم والطاقة للاهوار.
- خلق فرص عمل للسكان المحليين عند تطوير المنطقة.
- الاستفادة الاقتصادية وتطبيق قانون الاستثمار العراقي في مناطق الاهوار.
- رفع الوعي الثقافي ودور الاعلام من اجل زيادة اقبال السياح الاجانب الى الاهوار.