د.روافد الطيار
باحثة في قسم إدارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
حزيران – يونيو 2017
في 3 حزيران/ 2017: كشف المتحدث الرسمي باسم عملاق النفط الروسي “روس نفط” عن حزمة اتفاقيات هامة في مجال النفط وقعت مع إقليم كردستان العراق، خلال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، في مجالات التنقيب والخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية وتجارة موارد الطاقة. وبموجب العقود، التي تمتد لمدة 20 عاما، تشارك “روس نفط”، التي تعد كبرى شركات النفط الروسية، في إدارة وتطوير خط أنبوب تصدير النفط الرئيسي، الذي يمتد من كردستان إلى تركيا. وفي وقت سابق وقعت حكومة اقليم كوردستان في 21 شباط، 2017، اتفاقية مع شركة [روس نفت] الروسية تقضي بشراء الشركة الروسية النفط الخام لمعالجته في مصانعها لتكرير النفط لمدة 3 أعوام.
والتساؤل الذي يثار هو مدى مشروعية أبرام مثل هذه الاتفاقيات من قبل حكومة أقليم كردستان العراق؟
إن القاعدة المقررة في القانون الدولي العام فيما يتعلق بتنظيم المعاهدات لا تحدد الجهة المختصة بإبرام المعاهدة في الدول وإنما تترك ذلك للقواعد الدستورية الداخلية في كل دولة سواء أكانت دولة بسيطة أم اتحادية ولذلك فإن الدساتير تلعب دوراً حيوياً في بيان طبيعة الاختصاصات الدولية والجهات المختصة بممارستها متأثرة في ذلك بعوامل داخلية وخارجية.
ووفق قواعد القانون الدستوري فان الدستور الاتحادي هو الذي ينظم توزيع الاختصاصات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الاقاليم، إلا إن ذلك لايمنع من قيام عملية تنسيق وتشاور تقوم بها الحكومة الفيدرالية مع الحكومات الاقليمية وان كانت الحكومة الاتحادية تمتلك سلطات مطلقة لعقد المعاهدات الدولية مادام ان تنفيذ هذه المعاهدات غالبا ما يتم داخل حدود هذه الوحدات التي يمكن لها رفض تنفيذها طالما يدخل نطاق تنفيذها باختصاصاتها الحصرية.
ويمكن التمييز بين المعاهدات الإستراتيجية المهمة والمعاهدات غير المهمة وذات الاثر المحدود بنطاق اختصاص الاقاليم اذ يمكن جعل هذه الاخيرة من اختصاص حكومات الاقاليم في حين تترك الاولى للحكومة الفيدرالية. وتعد الحوافز الاقتصادية العامل الاقوى الذي يدفع الوحدات المكونة للدولة الفيدرالية في الدخول لمعترك العلاقات الخارجية في ابرام معاهدات تعزيز صادرتها او استثماراتها او سياحتها ومن اجل رفع المستوى ألمعاشي لمواطنيها.
أستنادا إلى دستور العراق النافذ لعام 2005 حدد ثلاثة انواع من الاختصاصات: اختصاصات حصرية للسلطة الاتحادية، اختصاصات مشتركة بين السلطة الاتحادية والسلطات المحلية ومحددة على سبيل الحصر، وباقي الصلاحيات تمنح للسلطات المحلية. وفيما يتعلق بإبرام الاتفاقيات الدولية فإنها من ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية وبالشكل الاتي :
- المفاوضات :استنادا إلى المادة (110)تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الاتية:
أولاً. رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية .
وحددت المادة (80) من الدستور السلطة الاتحادية المختصة بالتفاوض وهو مجلس الوزراء حيث أشارت
يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية:……..
سادساً. التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله .
2- المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية : أستنادا إلى المادة 61 يختص مجلس النواب بما يأتي:……
رابعاً. تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء
مجلس النواب .
إضافة إلى مصادقة رئيس الجمهورية أستنادا إلى المادة 73 : يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية:
ثانياً. المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بعد موافقة مجلس النواب وتعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها .
وقد تم تنظيم ابرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية بشكل تفصيلي وفق قانون عقد المعاهدات رقم (35) لسنة 2015 وأشار هذا القانون في المادة السادسة منه إلى إنه أي عمل يتعلق بعقد معاهدة يقوم به شخص غير مأذون بتمثيل جمهورية العراق ولكنه يحمل صفة رسمية ومارس العمل بحكم وظيفته فإن عمله هذا لايكون له أثر قانوني إذا تمت إجازته في وقت لاحق طبقا للأجراءات القانونية المقررة وعن طريق وزارة الخارجية .
وبذلك لايحق لحكومة إقليم كردستان العراق تجاوز الحكومة الاتحادية وابرام المعاهدات بشكل منفصل، وهذا ما أكدته المادة 121من الدستور العراقي النافذ :(لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.) إلا في حالة إجازة هذا العمل من قبل الحكومة الاتحادية ممثلة بوزارة الخارجية.
وما يؤكد عدم مشروعية مثل هذه الاتفاقيات نص دستور إقليم كردستان العراق لعام 2009 والذي أشار في المادة 8 ( أولاً: تكون المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها الحكومة الاتحادية مع أية دولة أو طرف أجنبي تمس وضعية أو حقوق اقليم كردستان نافذة في الاقليم إذا اقترنت بموافقة برلمان كردستان ــ العراق بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه. ثانياً: لا تكون المعاهدات والاتفاقيات التي تبرمها الحكومة الاتحادية مع الدول الأجنبية نافذة بحق إقليم كردستان إذا تناولت أموراً خارجة عن الاختصاص الحصري لها بموجب المادة (١١٠) من الدستور الاتحادي، ما لم يوافق برلمان كردستان ــ العراق على إنفاذها في الاقليم بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه. ثالثاً: لاقليم كردستان الحق في عقد اتفاقيات مع دول أجنبية أو أقاليم داخل دول أجنبية بشأن المسائل التي لا تدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية المنصوص عليها في المادة (١١٠) من الدستور الاتحادي. رابعاً: ترفع الاتفاقية التي تبرم بين اقليم كردستان وحكومات الدول الأجنبية الى الحكومة الاتحادية لاستحصال موافقتها ولا تكون الاتفاقية نافذة إذا رفضت الحكومة الاتحادية الموافقة عليها لأسباب دستورية وقانونية.)
استنادا إلى نص دستور إقليم كردستان العراق المذكور أعلاه، لايحق لحكومة الاقليم إبرام مثل هذه الاتفاقيات كونها تدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية وفي حالة إبرام مثل هذه الاتفاقيات يشترط أن ترفع من قبل حكومة الاقليم للحكومة الاتحادية لغرض لاستحصال موافقتها.