ميثاق مناحي العيساوي
باحث في قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
يونيو/حزيران2017
في خضم التنافس والصراع التي تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ عقود، يظهر لنا هذه المرة الصراع القطري المتجدد مع المملكة العربية السعودية وتحالفها الخليجي- العربي، الصراع الذي حركته زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى الرياض، وأشعل فتيلها الأمير القطري “تميم بن حمد آل ثاني” في وقت متأخر من يوم الثلاثاء الماضي 23 مايو/ أبريل، بخصوص التنافس بين أقطاب القوى الخليجية في المنطقة، وتأكيده على دور إيران في المنطقة “كقوة إقليمية لايمكن تجاهلها”، الأمر الذي حرك المياه الخليجية الراكدة، لاسيما من قبل المملكة العربية؛ الأمر الذي أدى إلى حصار خليجي على قطر وعزلها “بريا وجويا وبحريا” عن السعودية والإمارات والبحرين، فضلاً عن المقاطعة المصرية للدوحة التي ‘‘وعلى ما يبدو بأن المال السعودي‘‘ استهواها بشكل كبير. وعلى الرغم من تلك العزلة السياسية والاقتصادية والسياحية التي تواجهها قطر من قبل اشقائها الخليج، إلا أن تداعياتها، ربما تعود بنتائج سلبية على أمن الخليج وتحالفه العربي، لاسيما وأن الدولة القطرية لها من العلاقات ما يمكنها من أن تلعب دور البطل، في ظل الأوراق السياسية التي تمتلكها على الصعيد الدولي والمجموعات اللادولتية، فضلاً عن مجاورتها البحرية لإيران. ولهذا يتسائل البعض عن الدور القطري القادم في المنطقة، وعن توجهات الإدارة الإيرانية في كسب ذلك الدور، وهل بالإمكان أن تكون الدوحة حليقاً سياسياً لطهران، لاسيما وأن الدوحة غازلت طهران سياسياً في مرات عدة؟.
الدوحة والجمع بين المتناقضات
صغر حجم الدولة القطرية جغرافياً، وضعف امكاناتها البشرية، وعلاقتها القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وامتلاكها للموارد الاقتصادية الكبيرة، لاسيما بعد تصديرها للغاز الطبيعي، مكّنها من أن تلعب دور الكبار في المنطقة، فتارة في العلن، وتارة أخرى في الخفاء، حتى أن المملكة العربية السعودية بدأت منزعجة من دورها الإقليمي. تحولت قطر، لاسيما بعد الانقلاب الذي قاده الأمير الحالي على والده في عام 1995 إلى رقعة لإدارة المصالح الأمريكية الخفية وغير المعلنة في المنطقة، وأن إدارتها لتلك المصالح تبدو على أنها متناقضة ومختلفة، فمع الاقتراب الكبير بين قطر وإسرائيل، عززت الدوحة علاقتها مع حركة حماس ‘‘المناهضة لأي تسوية إسرائيلية‘‘، ومع وجود القيادة الأمريكية الوسطى للشرق الأوسط في قطر متمثلة بقاعدة “السيلية” وقاعدة “العُديد” الجوية في جنوب قطر، إلا أن الدوحة سمحت لحركة طالبان في العام 2013 من أن تفتح مكتباً لها في قطر، على الرغم من أن هذه الحركة تمثل الهدف العسكري الرئيس للولايات المتحدة في افغانستان، وهذا ما يفسر الدور الأمريكي المنوط بقطر في رسم السياسة الأمريكية – الإسرائيلية في المنطقة، فمن خلال الجمع بين المتناقضات السياسية والإيديولوجية لتوجهاتها الخارجية، ربما تكون الدوحة ساهمت في التفاهم الأمريكي مع حركة طالبان، وساعدت الولايات المتحدة في الخروج من متاهات الأزمة الافغانية، أما بالنسبة لدعمها السياسي لحركة حماس، فأنها قد تكون شّقت وحدة الصف الفلسطيني وشتت الجهود الداخلية لمواجهة الإسرائيليين، وزادت من قوة الموقف الدولي لإسرائيل.
توجهات الدوحة بعد الربيع العربي
لعب الدوحة دوراً كبيراً في احداث الربيع العربي التي انطلقت شرارته الأولى من تونس عام 2010 لتصل رحاها إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا, وعزز الإعلام القطري متمثلاً في قناة الجزيرة من دور قطر الكبير في رسم تلك الاحداث، واصبحت الدوحة مقراً رئيساً للمعارضين العرب الذين يريدون الإطاحة بأنظمتهم السياسية؛ وذلك من أجل احداث تغيير سياسي في البلدان العربية, تستطيع الدوحة أن تضمن لها موطأ قدم في خضم التحالفات السياسية العربية، وقد دعمت بذلك جماعات الإسلام السياسي، لاسيما جماعة “أخوان المسلمين” لتمكنها من الصعود لسدة الحكم في بعض البلدان العربية، إلا أن فشل تلك المخططات وبالتحديد في مصر وليبيا وسوريا، جعل من الدوحة، الداعم الرئيس للحركات السلفية؛ وذلك من أجل زعزعة أمن واستقرار تلك البلدان أو لتقويض المشاريع السياسية المخالفة للتوجهات القطرية أو دعمها لمخططات التقسيم والفدرلة في بعض البلدان العربية؛ من أجل مساواتها “جغرافياً” على أقل تقدير ‘‘وهو نفس الهدف الذي تشترك فيه الدوحة وتل أبيب‘‘. وهذا مّثل محور الخلاف بين قطر ومنافستها الخليجية “السعودية”.
سيناريو التغيير السياسي في قطر
تتزايد التكهنات السياسية الشائعة في الدول العربية المقاطعة لقطر، نية تلك الدول على احداث تغيير سياسي على مستوى الحكم في البلاد، لاسيما بعد الخلاف الكبير بين قطر ودول الخليج، وعلى الرغم من الاجماع الخليجي ضد قطر، إلا أن احتمالات التغيير السياسي، لا يمكن دول الخليج المحاصرة للدوحة أن تصنعه بدون إشارة أمريكية وبدعم إسرائيلي، وفي حال امتلكت دول الخليج هذه الإشارة، فأن إرجاع الأب إلى سدة الحكم قد تكون من اهداف الاجماع الخليجي، لاسيما وأن الأمير القطري الحالي مثل انقلاب على الاعراف السياسية القطرية السابقة، وقد يكون القرار الأمريكي صك الدخول في حالة التغيير السياسي هذه، أو لربما يكون السيناريو الخليجي المعد لقطر من خلال هذه الاحداث هو زعزعة المشروع الإيراني في المنطقة، من خلال وسائل وآليات ‘‘ربما تكون الإدارة الأمريكية بزيارتها الأخيرة إلى السعودية وضعت أسسها‘‘؛ وذلك من أجل ضرب الاستقرار الإيراني في الداخل.
كيف يمكن لطهران استثمار الأزمة الخليجية؟
انطلاقاً من المثل القائل “مصائب قوماً عند قوم فوائد”، ربما ترى طهران الأزمة القطرية – الخليجية باب واسع للتدخل في توسيع مصالحها الإقليمية أو عرض جهودها إمام الدوحة أو ترى فيها ‘‘الأزمة الخليجية‘‘ بأنها فرصة لتفكيك التحالف الخليجي المناوئ للتطلعات الإيرانية في المنطقة, وفي خضم الخلافات الخليجية القطرية علقت طهران على المقاطعة الخليجية لقطر بأن ‘‘عهد التحالفات والشقيق الأكبر قد انتهى، وأن الهيمنة السياسية واللعب على الورقة القبلية والأمنية والاحتلال والعدوان لن تفضي سوى الى زعزعة الاستقرار‘‘، وهذه إشارة واضحة وصريحة في التأييد للموقف القطري. وعلى الرغم من التقارب الشكلي بين الدوحة وطهران، ودعم طهران الواضح للتحركات القطرية في هذه الأزمة، ومساعدتها في فتح خطوطها الجوية إمام حركة الطيران القطري، فضلاً عن حجم المشاركة بين قطر وإيران في أكبر حقل للغاز البحري في العالم وهو “حقل غاز الشمال”, إلا أن تبقى هناك الكثير من الملفات التي تعرقل عملية التطبيع بين الطرفين، لاسيما فيما يتعلق بالأزمة السورية وموقف الدوحة منها، ودعمها لبعض الحركات المسلحة ضد النظام السوري، فضلاً عن ذلك، فأن الدعم المقدم من قبل الدوحة للجماعات والتنظيمات السلفية والجهادية في المنطقة وعلاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، قد يزعج طهران كثيراً ويعرقل جهودها في استثمار الأزمة لصالحها. لكن ومع ذلك، من الممكن أن تتغاضى طهران عن تلك التقاطعات السياسية مع الدوحة، لاسيما مع استمرار المقاطعة الخليجية لقطر؛ من أجل ترويض قطر عن بعض مواقفها المعاكسة، وبالتحديد تلك المتعلقة بالأزمة السورية وموقفها من الجماعات المتطرفة.
وفي ظل معطيات الأزمة الحالية وتصاعد وتيرتها بين قطر ودول الخليج، لا يمكن لطهران أن تطرح نفسها كحليف لقطر في الوقت الحالي؛ وذلك بسبب استمرار علاقة الدوحة بالولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما مع وجود القواعد الجوية الأمريكية في “السيلية” و “العُديد”، إلا أن بوادر الاستثمار الإيراني للتصدع الخليجي، من الممكن أن يبدأ من حالة التصدع الرئيسة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها القطري. وهذا ما بدأ بشكل جلي على لسان الرئيس الأمريكي حينما أكد في معرض كلامه على الأزمة الخليجية القطرية بأن “حان الوقت لكي توقف الدوحة دعمها للإرهاب في المنطقة”. هذه السيناريوهات إذا ما حصلت بالفعل وخرجت قطر من الطاعة الخليجية بشكل جدي، مع تدهور علاقتها مع الحليف الأمريكي، من الممكن أن نشاهد تقارب إيراني- قطري، برعاية روسية، ولو أن هذا السيناريو يبدو مستبعداً في الوقت الحالي، إلا أنه الصورة الواقعية التي تعكس المشهد السياسي للتحالفات القادمة، في حال استمرار الأزمة بين الأطراف المعنية.