ميثاق مناحي العيساوي
باحث في قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
كانون الأول/ ديسمبر 2017
يبدو بأن هزيمة تنظيم داعش وتعامل الحكومة العراقية مع أزمة إقليم كردستان بشأن الاستفتاء اعطاها قوة كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ بدا السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي أكثر قوة من أي وقتاً مضى؛ وذلك من خلال التصعيد الأخير الذي بدئه الاسبوع الماضي ضد الفاسدين، مخيرهم بين أمرين: أما ارجاع الأموال التي سرقوها أو السجن، مستنداً بذلك إلى الدعم الدولي والأممي له قبيل الانتخابات القادمة، والمقرر أجراءها في شهر مايو من العام المقبل. إن زيارة مبعوث الأمم المتحدة في العراق السيد كوبيتش إلى السيد السيستاني جاءت ضمن هذا الإطار، فقد جاءت الزيارة متوافقة مع نهاية حرب العراق ضد تنظيم “داعش” وداعمة لتوجهات رئيس الحكومة العراقية بمحاسبة الفاسدين الذين تسببوا بهدر المال العام منذ العام 2003. وبهذا الصدد فقد أصدر رئيس الوزراء العراقي قراراً سحب فيه إدارة مطار النجف من سيطرة بعض القوى السياسية وضمه إلى سيطرة الحكومة العراقية، على الرغم من تعليق السلطات الإيرانية رحلاتها الجوية إلى المطار حتى اشعار آخر!
زيارة السيد كوبيتش ناقشت بشكل علني أمور مهمة تتعلق بمستقبل الدولة العراقية ووحدة البلاد بعد أنهاء تنظيم “داعش”، وقد تضمنت الزيارة الحديث عن مستقبل الحشد الشعبي ودعم السيد العبادي بخطواته القادمة والانتخابات القادمة وعودة النازحين إلى ديارهم. وبهذا الجانب أكيد السيد كوبيتش مع المرجعية الدينية في النجف الأشرف على حصر السلاح بيد الدولة وتحييد هيئة الحشد الشعبي كمؤسسة عسكرية بعيداً عن المزايدات السياسية الداخلية والإقليمية، وقد اتفق الطرفان على ضرورة التطبيق الكامل لقانون الحشد الشعبي ومنع الأخير من المشاركة بالانتخابات القادمة، وكذلك مساعدة السيد العبادي على محاسبة الفاسدين من خلال دور الأمم المتحدة والفرق الدولية التي تشكلت بهذا الخصوص من خبراء ومنظمات دولية من أجل فتح ملفات الفساد السابقة، واستعادة الأموال المهربة وملاحقة الفاسدين حتى الهاربين منهم ومقاضاتهم. ووفقاً لبعض الاخبار المسربة فأن السيد العبادي ينوي فتح المعركة القادمة ضد الفساد بمطلع العام المقبل، فهناك قائمة أولى تضم حوالي 50 مسؤولاً من ضمنهم وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامون وشخصيات سياسية وبرلمانية سابقة وحالية.
إن زيارة مبعوث الأمم المتحدة إلى السيد السيستاني يوم الأربعاء الماضي، لا تعكس الدعم الأممي لتوجهات الحكومة العراقية وحسب، وإنما تعكس الدعم الأمريكي والأوروبي والرؤية الغربية بشكل عام لعراق ما بعد “داعش”. فهذه الرؤية تشترك فيما بينها بقواسم مشتركة من خلال أبعاد طهران عن المشهد السياسي العراقي، وتحجيم نفوذها من خلال تكسير اجنحتها السياسية والعسكرية في العراق؛ ولهذا أكد السيد كوبيتش على ضرورة ضمان التطبيق الكامل لقانون الحشد الشعبي وحصر السلاح بيد الدولة وضمان عدم مشاركة الحشد بالانتخابات القادمة، كذلك من ضمن المشتركات التي تؤكد عليها الرؤية الغربية هو دعم السيد العبادي من خلال الانتخابات القادمة وحلحلة المشاكل بين الإقليم والمركز وضرورة احتضان الحكومة لكل مواطنيها، لاسيما العرب السنة الذين تضرروا جراء الحرب ضد تنظيم “داعش”.
على الرغم من ذلك، إلا أن هذه التوجهات التي عكستها زيارة السيد كوبيتش إلى العراق بشكل عام، والمرجعية الدينية بشكل خاص، قد تصطدم بمعوقات وتحديات كبيرة، لاسيما تلك المتعلقة بمكافحة الفساد ومنع الحشد الشعبي من المشاركة في الانتخابات القادمة؛ فهنالك صفقات فساد ضخمة وكبيرة قد فشل في كشفها السيد العبادي حتى الآن، وأن عملية كشفها تحتاج إلى دعم كبير داخلي وخارجي، فعملية الفساد المالي والسياسي في الحكومة العراقية مشرعنة منذ العام 2003، وهناك اسماء كبيرة لها وزن سياسي، لاسيما وأن هذه الاسماء تتمتع بغطاء سياسي وقانوني ولها ثقل كبير في إدارة الدولة العراقية سواء كان ذلك على مستوى الاشخاص أم على مستوى الكتل والاحزاب السياسية. وفيما يتعلق بمنع الحشد الشعبي من المشاركة في الانتخابات القادمة، هناك صعوبة كبيرة أيضاً في تطبيق هذه الخطوة؛ وذلك بسبب قانون مفوضية الانتخابات الذي اجاز لبعض الاحزاب المالكة لأجنحة عسكرية خوض الانتخابات القادمة. فأغلب الاحزاب والكتل السياسية العراقية تمتلك تشكيلات عسكرية بأسماء مختلفة عن تلك الاسماء التي تشارك بها اجنحتها السياسية في إدارة العملية السياسية العراقية، وهي منضوية تحت لواء هيئة الحشد الشعبي. وبالتالي فأن عملية تفكيك هذه التشكيلات ومنعها من خوض الانتخابات القادمة تحتاج إلى اصدار قوانين جديدة وتطبيق صارم لقانون الاحزاب السياسية وقانون المفوضية، لاسيما وأن أغلب تلك التشكيلات التي تعتنق نفس التوجه السياسي والايديولوجية الدينية هي بصدد عقد تحالفات سياسية جديدة من أجل خوض الانتخابات القادمة. لكن مع ذلك، ‘‘وفي حال أعلن السيد رئيس الوزراء حربه ضد الفساد‘‘، من الممكن أن يطيح بأغلب تلك الأسماء بتهم فساد أو غيرها من التهم، شبيه بتلك التهم التي استخدمها سلفه السيد المالكي ضد بعض الشخصيات السياسية ومنعهم من خوض الانتخابات في حينها. لكن السؤال الذي سيبقى مطروحاً لدى الجميع، هل سيبادر السيد رئيس الوزراء إلى مكافحة فعلية للفساد ورؤوسه السياسية أم سيبقى مجرد شعار يداعب به مشاعر الفقراء التي سلبت حقوقهم بسببه؟