اسقاط إيران للطائرة الامريكية المسيرة … هل هي بداية المواجهة ام الحل؟

      التعليقات على اسقاط إيران للطائرة الامريكية المسيرة … هل هي بداية المواجهة ام الحل؟ مغلقة

 

م. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في قسم ادارة الازمات-مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

حزيران 2019

استيقظ العالم يوم 20 حزيران 2019 وبصورة غير مسبوقة وفي منطقة يعمها التوتر على خبر اسقاط قوات الحرس للثوري الايرانية طائرة امريكية مسيرة كبير الحجم نوع (غلوبال هاول) بصاروخ بحر-جو فوق مياه الخليج العربي في الساعة الرابعة فجرا بعد اقلاعها من احدى القواعد الامريكية في الخليج العربي، بعد دخولها المجال الجوي الايراني فوق مضيق هرمز في مهمة وصفت بالتجسسية، وذلك لمخلفتها قواعد الملاحة الجوية اذ تم اطفاء كل الاجهزة المتعلقة بالتعريف واتجاهها من مضيق هرمز الى ميناء تشابهار الايراني على بحر العرب (حسب تصريحات قادة الحرس الثوري)، بينما قال البنتاغون ان الطائرة ضمن المياه الدولية، وانها تقوم بعملية روتينية لحماية الملاحة الدولية في مضيق هرمز.

ان قيام الادارة الامريكية بأرسال طائرة تجسس على ايران ليس الاولى ولن تكون الاخيرة، فقد اسقطت ايران عدة طائرات مسيرة في السابق، بل قامت بأنزال احدى الطائرات المسيرة الامريكية في عملية نوعية من خلال اختراق اجهزة التحكم بها، وعدت العملية ضربة كبيرة للقوات الامريكية لأنه تم خلالها كشف تقنية الطائرة بشكل دقيق والاستفادة منها، ولكن ارسال هذا النوع من الطائرات عالية التقنية اذ تقدر تكلفتها (200) مليون دولار، في مهمة استطلاعية فوق مياه الخليج العربي في وقت تشهد المنطقة حالة من الغليان وتحشيد القوات الامريكية والايرانية، وقد سبقتها عدة اعتداءات طالت سفت شحن تجارية ونفطية في الخليج العربي وخليج عمان، ينذر بوجود خطط عند طرفي الازمة وراء التصعيد بعد ان وصلت الامور الى نقطة حرجة وانه لابد من حل الخلافات قبل ان تندلع حرب غير محسوبة العواقب، اذ ان هدف الولايات المتحدة هو جس نبض القوة الايرانية واستفزازها في نفس الوقت، من اجل كشف مدى جدية ايران للرد على أي اعتداء امريكي عليها، كذلك جرها الى مواجهة مفتوحة مع القوات الامريكية من اجل اتخاذ مبرر لاستهداف ايران عسكريا او عل الاقل ضرب مناطق محددة فيها دون دعم دولي بحجة تهديد ايران للملاحة الدولية في الخليج العربي الذي يعد عصب الطاقة العالمية فـ(40%) من النفط يمر عبره، اما ايران فان استهدافها للطائرة جاء لإثبات انها لن تتهاون مع أي قوة من أي دولة ان تتجاوز على مجالها الجوي او البحري السيادي، وان قواتها على استعداد ليل ونهار لصد الاعتداء، خاصة وان بعض الخبراء العسكريين ان قدرات ايران الصاروخية متطورة جدا وانه تم استهداف الطائرة على علو عشرة اميال، وهو يبين دقة الاصابة.

بعد الحادث بدأت التصريحات الامريكية والايرانية بين من يهدد برد قاس وان ايران ارتكبت خطا فادحا كما في تغريدة الرئيس الامريكي ترامب واجتماع مجلس الامن القومي الامريكي، وبين من يهدد برد اقسى ان تم استهداف ايران او المساس بأمنها الداخلي حسب تصريحات قادة الحرس الثوري الايراني، الا ان اغلب التحليلات تتجه الى عدم وقوع أي مواجهة عسكرية في المنطقة، واتجاه الازمة للحل من خلال مفاوضات بين الدولتين، وهناك عدة اسباب تدعم هذا التوقع منها:

  • ان تصريحات الرئيس الامريكي (ترامب) ضد ايران عبارة عن تغريدات على تويتر ولم تصدر بشكل رسمي، وانه لم يتعهد برد عسكري بل قال “ان شخصا ما غير مسؤول قد تسبب في اسقاطها وقد لا يكون العمل متعمدا”، كما ان الاقدام على عمل عسكري يتطلب موافقة الكونغرس الامريكي الذي انقسم بدوره الى فئتين فئة تطالب بالتهدئة وعدم الانجرار الى حرب شاملة في المنطقة الا اذ تم استهداف افراد من القوات الامريكية، وفئة اخرى تريد ردا عسكريا حتى لا تذهب هيبة الولايات المتحدة في المنطقة وامام حلفاءها، وهذا الانقسام هو دليل على عدم الرغبة في الحرب او ضرب مواقع ايرانية خشية من مخاطر على المصالح الامريكية وقواعدها في المنطقة.
  • ان سرعة ودقة استهداف الطائرة يدل على ان إيران جادة هذه المرة بالرد على أي استهداف امريكي، وانها تملك وسائل عسكرية متطورة، وان انتشال اجزاء منها من قبل القوات الايرانية افشل ادعاءات وزارة الدفاع الامريكية انها سقطت في مياه دولية، اضافة الى الخشية من مفاجئات قد تربك الحسابات الامريكية في المنطقة وتصبح ذات فائدة لمنافسيها الدوليين.
  • ان ضرب مواقع ايرانية محددة او شن هجوم عسكري عليها لا يقتصر على ايران وحدها بل سوف يشمل اغلب دول المنطقة من ايران الى العراق واليمن وسوريا ولبنان واسرائيل، وقد يصل الامر الى تحريك الداخل الخليجي، وهنا ستكون تكاليف العمل العسكري اقل من الفوائد المتوقعة، مع رفض اغلب دول المنطقة العمل العسكري ضد ايران وتدعوا لتهدئة، وخاصة وان صاحبة اكثر المواقف ضد ايران وهي السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها (عادل الجبير) الذي اعلن ان بلاده لا تريد الحرب مع ايران، كما وان زيارة امير الكويت للعراق ما هي الا بحث عن حل للازمة وابعاد دول الخليج عنها.
  • تصويت مجلس الشيوخ الامريكي على قرار غير ملزم للرئيس بإيقاف بيع الاسلحة الى السعودية والتي تستخدم ضد اليمن، وترادف القرار مع قرار مماثل للحكومة البريطانية، وهنا فان الضغوط الداخلية الغربية على حكوماتها بدأت تنشط وان أي عمل عسكري ضد ايران ستكون خسائره عالية جدا وسوف يحرك الشارع الغربي ضد حكوماتها.
  • ان هدف الولايات المتحدة ليس استهداف ايران في الخليج العربي وانما ايقاف طريق ايران المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، الذي يعد الاخطر عليها وعلى حليفتها اسرائيل، لأنه سوف يكون منفذ بري يربط ايران بالمتوسط ويسهل نقل النفط والغاز الايراني من جهة، ونقل الاسلحة والمعدات الاخرى لحلفائها في سوريا ولبنان من جهة اخرى، وهنا فاذا كان هناك استهداف فسيكون للقوات الايرانية في سوريا والعراق، خاصة وان هناك مصادر ذكرت ان الولايات المتحدة رفعت من عدد افرادها العسكرين في العراق وزيادة تحصينات قواعدها، ووجود خطط امريكية للسيطرة على البوكمال السورية لقطع هذا الطريق.
  • ان اسقاط الطائرة الامريكية ليس الاول بل سبقته حوادث اسقاط طائرات مسيرة كذلك احتجاز اقراد من القوات الامريكية في الخليج عام 2016، بعد تواجدهم في المياه الاقليمية الايرانية وتم إطلاق صراحهم بعد توسط دولة اخرى، لهذا فان قيام حرب بين ايران والولايات المتحدة على اثر حادث اسقاط الطائرة المسيرة بعيدة الوقوع.
  • لقد وصلت ايران والولايات المتحدة الى النقطة الحرجة وانه لابد من وجود مخرج وحل للعلاقة بينهم، وان خاصة وان اتفاق ايران مع مجموعة 5+1 عام 2015 جاء على خلفية عقوبات اممية صارمة عام 2010 انضمت اليها حلفاء ايران الصين وروسيا، كذلك اوروبا عام 2012، فان مثل هذه الازمات تقود الى ادراك طرفي المخاطر الكبيرة من استمرار الوضع المتأزم، وانه لابد من وضع حد للصراع.
  • ان كلا من ايران والولايات المتحدة اكدا اكثر من مرة عن رغبتهم في المفاوضات وبدون شروط مسبقة، كما ان تدخل اطراف دولية اخرى في الازمة مثل رئيس وزراء اليابان وزيارته لإيران ومقابلة المرشد الاعلى، ونقل رسالة له من الرئيس الامريكي (ترامب)، هي اشارات على وجود رغبة في اجراء المحادثات غير المباشرة اولا ثم تعقبها مفاوضات مباشرة لإنهاء الازمة.
  • معظم التحليلات تركز على الداخل الايراني، وانه بدا يأخذ دوره في القضايا الخارجية، خاصة بعد ازمة الائتمان وخروج المظاهرات على سوء الاوضاع الاقتصادية عام 2018 ، واطلاق عبارات ترفض تدخل ايران في شؤون المنطقة وخاصة في لبنان وفلسطين، وادراك الحكومة الايرانية من خطورة تحرك داخلي له عواقب على الاستقرار الامني في ايران، وانه لابد من تسوية مع الولايات المتحدة الامريكية للخروج من الازمة الاقتصادية، والاستفادة من خبرات الغرب واستثمارها في خدمة الاقتصاد الايراني، وهنا جاء استقبال المرشد الاعلى وفدا من محافظة كردستان الايرانية بعد حادثة اسقاط الطائرة الامريكية المسيرة، وتحدث معهم عن مخططات الغرب لضرب الوحدة الوطنية في ايران، هذا وهو ادراك لخطورة تحريك الداخل.

خلاصة القول، السياسة الخارجية الايرانية هي سياسة براغماتية مهنية تتعامل مع قضايا المنطقة على اساس مصالح ايران العليا واستقرارها ، مضافا اليها عدم رغبة الولايات المتحدة من دخول حرب في المنطقة لخطورة الوضع وتداعياته عالميا، وخوفها من تربص الدول الاخرى بها، خاصة وهي لازالت تعاني من اثار احتلالها العراق وافغانستان وعدم تحقيق اهدافها المعلنة من وراء الاحتلال، كذلك عدم رغبة دول المنطقة بل رفض بعضها المطلق لأي مواجهة عسكرية، لأنها ستكون ساحة حرب للطرفين وتدمير بناها التحتية ومنشآتها النفطية، وان نهاية الازمة سيكون اجراء مفاوضات جديدة على اسس جديدة تنهي نقاط الخلاف بين ايران والولايات المتحدة، والمتضرر الاخير من الازمة ونهايتها هم العرب.