مسار التظاهرات ومحاولة خلط الأوراق 

      التعليقات على مسار التظاهرات ومحاولة خلط الأوراق  مغلقة

م. علي مراد النصراوي باحث في قسم ادارة الازمات مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

لقد مضى ما يقارب الشهرين على الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في العاصمة  بغداد ومحافظات أخرى، وذلك بعد خروج محتجين شباب في تظاهرات سلمية للمطالبة بتحقيق الاصلاح الشامل في كل مفاصل الدولة ، وعلى الرغم من إنها بدأت بصورة سلمية وضمن مسار هادئ  لكنها أخذت مع مرور الوقت تتحول نحو الحدية والسير باتجاه التصعيد ، ويمكن أن نقول إن ما زاد من حدية الاحتجاجات التي انطلقت في بادئ الامر بشكل سلمي هو مجابهتها بالعنف المفرط من قبل جهات حكومية، وأخرى شبه حكومية. إن هذه القوة التي استعملتها تلك الجهات هي ما يتحدث عنه المتظاهرون ويذهب بعضهم إلى تأكيده، وفي المقابل فإن الحكومة من جانبها تنفي اللجوء الى مثل هذا القمع ماعدا استعمالها للوسائل المعروفة بمكافحة الشغب، لكنها من جهة أخرى تتهم اطرافًا لم تسمها بالقيام بقتل المتظاهرين وتخويفهم . ويظهر أن وصول الحال إلى هذه النقطة قد أدى إلى اشتداد الازمة وتحولها باتجاه اعتصام مفتوح نتج عنه إضراب للطلبة وتقدم الكوادر الوسطى ودخول النقابات مما تسبب في اتساع رقعة الاحتجاجات، و زاد من سقف مطالب المحتجين من المطالبة بالإصلاح في مفاصل الدولة إلى تغيير النظام السياسي، وذلك عبر تنحية الحكومة وتأليف حكومة انتقالية تأخذ على عاتقها إجراء انتخابات مبكرة ، فضلًا عن تعديل الدستور. وفي ظل ما شهدته محافظتا (ذي قار والنجف) من أعمال دامية وإرتفاع في عدد الضحايا نتيجة استعمال العنف المفرط ، وبعد خطبة المرجعية ، فقد قرر رئيس الوزراء (عادل عبد المهدي) تقديم استقالته للبرلمان الذي بدوره صوت على قبولها ، وهذا الأمر جعل الحكومة تتحول إلى حكومة تصريف اعمال في انتظار مهلة الخمسة عشر يومًا امام رئيس الجمهورية لتكليف مرشح الكتلة الاكبر . من هنا فإن هذه التطورات الخطيرة في المشهد السياسي العراقي قد اسهمت في تضخيم حجم الازمة وزادت من تعقيدها ، لتعيد طرح التساؤلات الآتية : ماذا بعد انقضاء المهلة الدستورية من دون اختيار شخصية لمنصب رئيس الوزراء؟ وكيف نحدد معايير الكتلة الأكبر؟ وهل مشكلة العراق وأزمته تتمحور في منصب رئاسة الحكومة وشاغله ؟ والاهم من ذلك  هل يعود المتظاهرون ادراجهم وينهون احتجاجهم؟ ربما من الصعب وضع أجوبة عن هذه التساؤلات لكن بطبيعة الحال فإن موضوع اختيار رئيس وزراء جديد للعراق ليس بالأمر السهل ، ففي ظل تصاعد حدة التظاهر، و زيادة الضغوط لاختيار شخصية مستقلة تحظى بقبول شعبي، و مع إن الأمر يلاقي اعتراضًا من قبل الأحزاب الحاكمة، بيد إنه وفي هذا الوضع فإن الكتل السنية والكردية تلقي بالكرة في ملعب الاحزاب الشيعية بوصف أن التظاهر يقع في مناطق نفوذهم وبالتالي لا يعنيهم الأمر كثيرًا، إلى جانب أنهم يرفضون تقديم أي تنازل ، وهذا ما قد يدخل العراق بفراغ دستوري إذا ما انقضت مدة الخمسة عشر يومًا ، وربما تلجأ الكتل السياسية لمرشح تسوية مثلما حدث في موضوع اختيار (عادل عبد المهدي)، و لاسيما بعد تنازل كتلة سائرون عما اسمته بحقها في تمثيل الكتلة الأكبر، واوكلت الامر للشعب في أن يختار الشخص المناسب، الا ان الاليات المتعارف عليها هو أن يقوم السيد رئيس الجمهورية بتكليف شخصية لتولي رئاسة الوزراء واعطائه مهلة ثلاثون يوميًا لاختيار أعضاء حكومته، ومن ثم عرضها امام البرلمان لمنح الثقة ، لذلك ربما تتجه بوصلة الكتل السياسية لاختيار شخصية قد تكون مرضية نسبيًا لتجنب تصاعد التظاهر. وبالرغم من إقرار قانون مفوضية الانتخابات والذي عدّه البعض قانونًا غير موفق ولا يلبي طموح الجماهير التي خرجت لطلب الاصلاح ، فإن الانظار تتجه نحو تشريع قانون انتخابي يلبي طموح الشارع ويتناسب مع دعوة المرجعية الدينية ، وضمن هذا الموضوع فإن المماطلة التي يمارسها مجلس النواب تأتي من سببين، الأول: صراع الكتل وصعوبة ارضاء أطراف سياسية كالكتل الكردية فضلًا عن صعوبة تقبل الاطراف السياسية جميعها تعديل قانون الانتخابات لتكون الانتخابات ضمن الدوائر المتعددة والانتخاب الفردي، ويظهر أن هذا الأمر سيقلص من نفوذ الاحزاب السياسية والكتل الكبيرة إلى حد كبير. و أما الأمر الأخر فقد يضغط المتظاهرون في أعقاب تأليف مفوضية جديدة وإقرار قانون انتخابي يمضي نحو الدعوة لحل البرلمان وتأليف حكومة انتقالية تتولى تعديل الدستور والدعوة لانتخابات مبكرة، وهذا فعلًا ما تخشاه الكتل السياسية .       وأما وتيرة التظاهرات فهي بطبيعة الحال مستمرة وربما بإطار تصعيدي ولاسيما بعد أحداث الناصرية والنجف وبغداد وسقوط الكثير من الضحايا، مما يدل على اصرار الشعب على تحقيق مطالبه وتحديدًا بعد ظهور دعم ومساندة من الامم المتحدة، وادانة اعمال العنف من قبل بعض الدول المؤثرة .       وهنا وبعد قراءة موضوعية لساحة التظاهرات العراقية فإن شرط استمرارها وديمومتها هو أن تبقى في إطارها السلمي مثلما دعت إلى ذلك المرجعية العليا ووافقها في ذلك عقلاء القوم ، لكي تحقق هذه التظاهرات هدفها السامي في الاصلاح ، وأيضا كي لا تسمح للأطراف الاخرى باستغلال التظاهر والتصعيد وجر الشارع للنزاع المسلح وبالتالي تكرار الازمة السورية وضياع الحقوق وخلط الأوراق ويكون السلاح هو السائد لا سامح الله .