الصراع بين اذربيجان وارمينيا وتأثيره على دور تركيا الاقليمي

      التعليقات على الصراع بين اذربيجان وارمينيا وتأثيره على دور تركيا الاقليمي مغلقة

 

م.د. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

تشرين الاول 2020

على الرغم من ان الصراع الآذري – الارمني قديم ويعود الى بدايات تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال جمهوريا القوقاز عام 1991، عندما ثار الارمن في اقليم (قرة باغ) كما تسميه اذربيجان او (ناكورنو كراباخ) حسب التسمية الارمنية واعلنوا استقلال منطقتهم المطوقة بالكامل من قبل الاراضي الاذربيجانية بمساحة 4500 كم، وعدد سكان من الارمن يقدر ب(150) الف بعد تهجير الالاف من القومية الآذرية، وقد عقد الطرفان هدنة عام 1994، وكان لجمهورية ارمينيا دور في هذا الصراع وتقديم الدعم العسكري لسكان الاقليم، اذ تمكنت ارمينيا من احتلال اراضي آذرية تقدر ب(20%) من مساحتها، وتجدد الصراع عام 2016 دون ان يكون هناك اي تقدم للطرفين، او وجود حل للقضية، اذ تتمسك اذربيجان بان المنطقة جزءا من اراضيها وباعتراف الامم المتحدة واغلب دول العالم الاخرى، اما ارمينيا وسكان الاقليم فانهم يصرون على اعلان الانفصال والاستقلال بحجة ان الاقليم تم ضمه قسرا ايام حكم (جوزيف ستالين)، وفي 27 ايلول 2020، انطلقت الاشتباكات مرة اخرى وهي الاعنف، ويتهم كل طف الاخر ببدء الحرب.

ومع كل مواجهات بين الدولتين يكون هناك امتداد اقليمي ودولي لهذه الازمة، بين مؤيد لهذا الطرف او ذاك، فقد كانت تركيا ولا زالت بحكم الروابط القومية مع اذربيجان داعم رئيسي لها بالسلاح والتأييد، بينما تقف روسيا الى جانب ارمينيا بحكم العلاقات التاريخية والدينية، وان سبب دعم تركيا الى اذربيجان في هذه الحرب يعود الى عدة عوامل منها:

  • العامل القومي، اذ تركيا ان اذربيجان دولة مهمة في المنطقة، اذ يعد الرابط القومي التركي بين الدولتين، رغم الاختلاف المذهبي، اذ تعد اذربيجان دول مسلمة على المذهب الشيعي، حسب مقولة الرئيس التركي (رجب طيب اوردوغان) (شعب واحد في دولتين).
  • تعد مفتاح تركيا الى جمهوريات اسيا الوسطى والقوقاز، وموطئ قدم لها في المنطقة، فهي تعد طريق تركيا لدخول دول واسواق اسيا الوسطة الاسلامية، كذلك حصولها على موطئ قدم في بحر قزوين، اضافة الى ان هذا التواجد سيكون ورقة ضغط قوية في اي مفاوضات مع روسيا، كذلك منافسة ايران والحيلولة دون زيادة نفوذها في المنطقة.
  • العامل الاقتصادي، غنى اراضي اذربيجان من موارد طبيعية (النفط والغاز) وحاجتها الى اسواق وممرات لتصدير هذه السلعة لأنها دولة حبيسة لا تطل الا على بحر قزوين المغلق، لهذا تعد تركيا طريقا مهما لتصدير الطاقة من دول بحر قزوين الى الاسواق الدولية في اوروبا، اذ يعد مشروع (تاناب) لنقل الغاز من اذربيجان عبر جورجيا الى تركيا الذي بدا تنفيذه عام 2015، واكتمل عام 2018، ووصل الى اوروبا عام 2019، وهو يورد 10 مليار متر مكعب من الغاز عام 2020، اضافة الى ان اذربيجان تعد سوقا واسعة وممرا للسلع والشركات التركية، اذ تعد الاستثمارات التركية في اذربيجان فرصة لتركيا لتعزيز اقتصادها وادامته.
  • العداء الارمني التركي سبب اخر لوقوف تركيا الى جانب اذربيجان في هذا الصراع، فهناك عداء تاريخي بين الدولتين، واتهامات ارمنية لتركيا بإبادة الارمن في تركيا عام 1915، وهو ما تنفيه تركيا، اضافة الى وجود علاقات قوية بين روسيا وارمينيا وقواعد عسكرية، وهو ما يثير غضب تركيا ويعد تهديدا لأمنها القومي.
  • يعد العامل الدولي مهما ف اندفاع تركيا نحو اذربيجان، اذ شكلت علاقات باكو القوية مع اسرائيل والولايات المتحدة عامل دعم وخوف لتركيا من هذه العلاقة، وعلى الرغم من وجود تركيا في حلف الناتو وعلاقات مع الغرب والولايات المتحدة فهي تخشى من وجود علاقات قوية بين اذربيجان واسرائيل والولايات المتحدة، مما جعلها تندفع بقوة لدعم باكو حتى لا تخلي الساحة لإسرائيل لتنفرد بهذه العلاقة وما تحمله من مخاطر على الامن القومي التركي.

ومع استلام حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا بقيادة (رجب طيب اوردوغان) عام 2002 الى الان وهي تحاول ان توسع نفوذها الاقليمي مستثمرتاً الازمات الاقليمي وحاجة بعض دول المنطقة ومنظمات المعارضة لدعم تركي لها، وعلى الرغم وجود تركيا في حلف شمال الاطلسي ورغبتها في الانضمام الى الاتحاد الاوربي والذي يعني ضمنا العمل كفريق واحد في المنطقة لضمان مصالح كل الاطراف، الا انها اصبحت تعمل بجهودها الذاتية ولمصالحها الخاصة بعيدا عن اقرب حلفاءها الولايات المتحدة، بل وصل الامر في بعض الاحيان الى حدوث توترات وخلافات بين الطرفين حول ازمات المنطقة، فتركيا تسعى الى ان تصبح دولة اقليمية لها سياستها الخارجية الخاصة، فهي نشرت قواتها من سوريا الى العراق الى طرابلس الغرب والخليج العربي، ثم تحاول ان توسع نفوذها في اسيا الوسطى والقوقاز واستمراره، ثم ترسيمها الحدود البحرية مع ليبيا واصرارها على البحث عن الغاز والنفط في شرق البحر البيض المتوسط رغم معارضة بعض دول المنطقة ولاسيما قبرص واليونان، واخرها تدخلها المباشر في الحرب بين امينيا واذربيجان بدعم الاخيرة عسكريا وسياسيا، هذا التطور في سياسة تركيا الخارجية اثار حفيظة بعض دول المنطقة والعالم، ودفع بعضها الى اثارة التوترات والحروب حول تركيا من اجل الحد من نفوذها في مناطق تعد مهمة للعالم.

لهذا تعد ازمة ارمينيا واذربيجان ذات تأثير سلبي على دور تركيا الاقليمي وذات مخاطر حتى على الامن القومي التركي، وينعكس ذلك من عدة محاور منها:

  • ضرب التوافق الروسي التركي، بعد احداث سوريا عام 2011، وتدخل روسيا المباشر فيها، اضافة الى وجود تدخل الايران وتركيا وبعض دول الخليج العربية التي تسير ضمن الاجندة الامريكية، حدث نوع من التوتر بين الدولتين ومواجهات مسلحة ومنها اسقاط طائرة روسية، مما دفع بروسيا الى التشدد حول دور تركيا في سوريا والى مقاطعة تركيا اقتصاديا، هنا حاول الغرب تغذيته هذا الخلاف دون ان يقدم اي دعم جدي لتركيا، مما دفع الحكومة التركية الى تقديم اعتذار عن الحادث واقامة محادثات مع روسيا وايران في سوريا، لاسيما في مفاوضات استانا المتعددة، لمعرفة القيادة التركية ان الغرب يبحث عن مصاله فقط، هذا التوافق عد مخالفا لتوجهات الغرب العدائي من روسيا، كما ان دعم تركيا لأذربيجان ضد ارمينيا سيقود بالنهاية الى وقوف موسكو الى جانب ارمينيا والى توتر في العلاقات بين الدولتين، وهو ما تسعى له الولايات المتحدة والغرب، وهو ما يؤثر على دور تركيا في سوريا وشرق المتوسط والقوقاز
  • خلافات الحكومة التركية المتكررة مع الولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة، والتي وصلت في بعض الاحيان الى فرض الادارة الامريكية عقوبات اقتصادية على تركيا، اضافة الى تهديد تركيا بإغلاق القواعد الامريكية في تركيا، هذه الخلافات تحدث لأول مرة بين دولتين حليفتين ضمن حلف عسكري واحد. هذه الاعمال التي تعدها الولايات المتحدة تمردا من جانب دولة حليفة لها، لابد ان تتغير لكي تتوافق مع سياستها في المنطقة، وهي تحاول ان اضعاف الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية داخليا واثارة المشاكل الخارجية حولها، من اجل تغيير سياسة تركيا او مجيء حكومة جديدة تتوافق مع سياسات الولايات المتحدة وتسير ضمن اجنداتها. وهنا فان ازمة ارمينيا واذربيجان وتطوراتها وتدخل تركيا المندفع قد يدفع تركيا الى الانغماس اكثر فيها، او حدوث كمواجهات مباشرة للقات التركية مع ارمينيا او حلفاءها، وهو ما يضعف ويقوض دور انقرة الاقليمي مستقبلا.
  • ان دور تركيا الاقليمي وتفردها بعيدا عن دول الغرب وبعض الدول العربية خلق لها اعداءً كثر، فتدخل تركيا في ليبيا والتي تعدها دول الاتحاد الاوربي ضمن نفوذها ومن مصالحها المهمة، خاصة بعد ارسال تركيا لقوات عسكرية ودعمها حكومة الوفاق الليبية برئاسة (فائز السراج) ضد قوات العقيد (خليفة حفتر) في شرق ليبيا، المدعومة من قبل الامارات والسعودية ومصر خلق انقساما في المواقف والمصالح، مما جعل هذه الدول تبحث على اثارة المشاكل حول تركيا والتحالف مع منافسيها، كما هو في دعم الامارات لقبرص واليونان ضدها، ودعم مصر العسكري لقوات (حفتر) في ليبيا، اضافة الى ان بعض المصادر ذكرت ان فرنسا والامارات هي من حرض ارمينيا للهجوم على اذربيجان من اجل دفع تركيا للتدخل، ولا يمكن كذلك اغفال التنافس بين تركيا ودول الخليج العربية حول سوريا، وعدم قبول تركيا التعاون معها في هذه الازمة، وهذا ما دفع هذه الدول الى دعم اي اعمال تؤثر على استقرار تركيا ودورها الاقليمي.
  • تعد الموارد الاقتصادية احد الاسباب الرئيسية للصراعات في المنطقة، فأراضي جمهوريات اسيا الوسطى والقوقاز تضم موارد طبيعية ضخمة من النفط والغاز جعل دول العالم وشركاتها تندفع للوصول للمنطقة والاستثمار فيها، فمن جهة ترى تركيا انها اولى من غيرها للعب دور في هذه الجمهوريات للتقارب اللغوي والديني، اضافة الى انها تحاول ان تستفيد من هذه الثروات لسد الحاجة المجلية، وان تكون ممرا لمد انابيب النفط والغاز من هذه المنطقة الى باقي دول العالم الاخرى، هنا فتحت سياسات تركيا هذه منافسة من جانب دول اخرى تريد احتكار نقل الغاز والنفط عبر اراضيها لمنع اي منافسة لها وخاصة روسيا التي تعد سعي تركيا هذا منافسة لها على الاسواق الاوربية، خاصة مع ورود تقارير بتقليص تركيا من وارداتها من الغاز الروسي. كما ان ايران هي الاخرى تسعى الى ترغيب جمهوريات اسيا الوسطى لنقل مواردها عبر ايران الى الخليج العربي، كما ان الشركات الامريكية والاوربية الكبرى تحاول هي الخرى ان يكون لها حصة ودور مؤثر في هذه العملية، وان تكون لها حصة في انابيب النقل عبر تركيا، لهذا فهي تحاول اثارة اعمال عسكرية في المنطقة للتأثير على خطط تركيا اما بمنع خطوط نقل الموارد عبرها كما هو في رغبة روسيا وايران، او دفعها لقبول المشاركة معها كما هو في رغبة الشركات الغربية. هذه الاعمال واستمرارها سيكون لها تأثير على امدادات الطاقة من بحر قزوين عبر تركيا مما يؤثر على اقتصادها وامنها القومي ويضعف دورها الاقليمي.
  • على الرغم من وقوف تركيا الظاهري الى جانب القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ودعم حركة المقاومة، الا ان لم يقود الى عداء او خلافات كبيرة بين تركيا واسرائيل، ووجود علاقات دبلوماسية وتعاون بين الدولتين، ولكن موقع القوقاز واسيا الوسطى مهمة جدا لإسرائيل وهي تسعى الى استثماره وتوسيع نفوذها الاقليمي، خاصة وان هذه الدول قريبة من حدود الشمالية لإيران التي لها عداء مع اسرائيل، وترى اسرائيل ان وجود تركيا الواسع في هذه الجمهوريات يعد عامل ضغط على خططها في المنطقة، ومعوق ضد خططها على ايران، فتركيا ليس لها عداء مع ايران، بل هناك توافق مصالح اقتصادية بين الدولتين كبيرة، كما ان تركيا كانت مخالفة لتوجهات الولايات المتحدة ضد ايران، ولم تلتزم بالعقوبات الدولية ضدها بل هي بوابة ايران الشمالية للعالم، فلابد حسب وجهة نظر اسرائيل ابعاد تركيا او اضعاف نفوذها في منطقة القوقاز، وهو ما يكون من خلال اثارة المشاكل والحروب، ورغم ان كلتا الدولتين اسرائيل وتركيا تدعم اذربيجان ضد ارمينيا، الا ان لكل منهم اهدافه ومصالحه الخاصة والتي تتعارض مع الاخر.

خلاصة القول، ان تركيا الساعية الى توسيع نفوذها ودورها الاقليمي، والتوسع شرقا وغربا سوف يصطدم بالعديد من العوارض والمشاكل، وهي قد تأتي من اصدقاء تركيا اضافة الى منافسيها، وان حرب ارمينيا واذربيجان المنتصر فيها والخاشر يعد خاسرا بصورة واضحة، لان دور الاطراف الاقليمية والدولية هو السائد والموجه لهذا الصراع والمتحكم فيه، وان اشتعال الحرب في منطقة تعاني من عدم الاستقرار هو الاخر خطرا على اغلب الاطراف المساعدة في هذا الصراع، فتدخل تركي واسع في الحرب يدفع الى تدخل روسي اوروبي هو الاخر، وان اي صدام بين هذه الاطراف هو خسارة كبيرة لتركيا وتقليص كبير لدورها ان لم يكن ازالته نهائيا.