إيران وإسرائيل… هل تتحول الحرب الخفية إلى حرب مباشرة؟

      التعليقات على إيران وإسرائيل… هل تتحول الحرب الخفية إلى حرب مباشرة؟ مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجيةجامعة كربلاء

حزيران 2022

     بنجاح الثورة الإيرانية وإعلان الجمهورية الاسلامية في إيران عام 1979،  انطلقت المواجهة والعداء بين إيران والكيان الاسرائيلي على الصعد والمستويات كلها، فقد اغلقت سفارة الكيان الاسرائيلي في طهران، وافتتحت سفارة دولة فلسطين مكانها، فضلا عن الدعم الايراني الكبير لفصائل المقاومة الفلسطينية. وقد اصبحت طهران مركزا مهما للمقاومة الفلسطينية، وعقد العديد من المؤتمرات حول القضية الفلسطينية في طهران، ودعمت ايران ايضا إلى تأسيس عدد من فصائل المقاومة الاسلامية على حدود فلسطين المحتلة ولاسيما في لبنان، إذ كان للدعم الايراني دور مهمفي هزيمة اسرائيل، وانسحابها من جنوب لبنان عام 2000، ثم دعم حزب الله في حرب عام 2006، وحرب غزة 2008 و2012، وعمقت طهران علاقاتها مع سورية، وحتى مع جماعة الاخوان المسلمين في بعض الدول العربية، واستمرت المواجهات غير المباشرة بين ايران والكيان الاسرائيلي لسنوات لاحقة. وقد كانت سياسة التحريض التي تنتهجها اسرائيل ضد ايران، في المحافل الدولية ولدى الولايات المتحدة والدول الغربية، ولاسيما ضد البرنامج النووي الايراني هي السائدة، وذلك لبعد المسافة بين الدولتين، ولم يكن هناك حواضن لإسرائيل في المنطقة يمكنها أن تصل منها إلى داخل ايران، إلا أنّ تغير الوضع في المنطقة بعد 2003 باحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة، ثم ظهور البرنامج النووي الايراني على الساحة الدولية وخشية دول الخليج العربية منه، ثم بعد ذلك التقارب الخليجي الاسرائيلي أو ما يسمى التطبيع او اتفاق ابراهام عام 2020، ولاسيما مع الامارات والبحرينوإقامة علاقات كاملة، أما مع قطر وعمان فهي علاقات غير رسمية، وهناك زيارات رسمية لمسؤولين إسرائيليين الى هذه الدول.

  إنَّ تعميق علاقات الكيان الاسرائيلي مع بعض دول جوار إيران، سهَّل عليها الاقتراب أكثر من إيران، والوصول إلى تنفيذ عمليات واغتيالات داخلها، بوسائل مختلفة عن طريق عملاء في الداخل، كما في اغتيال أربعة علماء ذرة ايرانيين 2010-2012، او استخدام تقنيات متطورة والتحكم،كما في اغتيال العالم الايراني محسن فخري زادة عام 2020، كذلك تنفيذ عدة اغتيالات ضد ضباط في الحرس الثوري، ومنهم اغتيال (حسن صياد خدايي) 2022 في سيارته، عن طريق إطلاق النار عليه من مسلحين على دراجة نارية، وانتشار أخبار أخرى عن مقتل آخرين عن طريق السم، ثم وجود عمليات تخريب في بعض المنشآت العسكرية والنووية الايرانية اتهمت الكيان الاسرائيلي بالوقوف ورائها، من جانبها نفذت ايران عدة عمليات ضد المصالح الاسرائيلية في المنطقة، عن طريق استهداف مقرات الموساد في المنطقة بالصواريخ والطائرات المسيرة، واستهداف السفن الاسرائيلية في الخليج العربي والمحيط الهندي، كذلك وجودها المباشر في جنوب سورية بالقرب من حدود فلسطين الشمالية، وقد زادت وتيرة العمليات بين الطرفين والتهديدات الاسرائيلية باستهداف المنشأة النووية الايرانية، وتهديد الأخيرة بالرد العسكري على تل أبيب.  

  إنَّ زيادة وتيرة استهداف اسرائيل علماء وضباط في الحرس الثوري الايراني داخل ايران وخارجها،والتهديد باستخدام القوة المباشرة ضد منشآتها النووية، والرد الايراني عليها والتهديدات المتبادلة باستخدام القوة المباشرة بين الطرفين، وبناء وجود عسكري لكل طرف بالقرب من الآخر، كل ذلك لم ولن يقود إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين، إذ توجد الموانع والأسباب الداخلية والاقليمية والدولية تحول دون ذلك، ويبقى الوضع على ما هو عليه دون تغيير، ومن هذه الأسباب:

1- داخليا: فضلا عن بعد المسافة بينهم وعدم وجود حدود مشتركة بينهم، فإنَّ كلا من ايران واسرائيل تعاني من وجود ثغرات أمنية عديدة، ومحاطة بعدد من التهديدات الداخلية والاقليمية، يضاف إليه امتلاك كل طرف أدوات وأذرع اقليمية سوف تدخل في هذه الحرب إن حدثت، لهذا فهم يخشون من عواقب هذه الحرب ونتائجها على أمنهم الداخلي ونفوذهم الاقليمي.

كما يعاني الطرفان من صعوبات اقتصادية لأسباب عديدة منها جائحة كورونا، والعقوبات التي تعاني منها ايران، كذلك إنَّ أي حرب في المنطقة سوف تؤثر في زيادة الوضع الاقتصادي سوءا عن طريق استهداف المنشآت النفطية والبنى التحتية ووقف تدفق الطاقة من مضيق هرمز، وهو ما يجعل من تكلفة الحرب تتضاعف وتعصف باقتصاد كل من ايران واسرائيل.

 ووجود معارضة قوية داخل اسرائيل ولاسيما وزارة الدفاع، والتي ترى أنَّ اسرائيل غير مستعدة لحرب مباشرة مع ايران، التي تمتلك قوة عسكرية تتفوق على اغلب دول المنطقة، ويمكنها الوصول الى اسرائيل وضرب منشآته العسكرية وحتى النووية، لاسيما ان اسرائيل يعاني من تفكك داخلي وعدم يقين مجتمعي، وهو ما جعل الهجرة تكون عكسية بعد حرب جنوب لبنان 2006 وغزة 2008 و 2012.  

2- اقليميا: على الرغم من وجود خلافات بين ايران وبعض دول الاقليم ولا سيما دول الخليج العربية، إلا ان كل دول المنطقة ترفض استخدام القوة العسكرية ضد ايران، سواء كان ذلك من جانب اسرائيل او الولايات المتحدة الامريكية، وقد صرح قادة المنطقة ذلك علنا رافضين أن تكون أراضيهم منطلقا ضد ايران، إذ إنَّ هذه الدول ترى أنَّها ستكون المستهدف والمتضرر الاول من هذه الحرب، ولاسيما في حالة استهداف ايران القواعد العسكرية فيها، أو استهداف منشآتها النفطية واغلاق مضيق هرمز بوجه الملاحة الدولية او البنى التحتية، اضافة الى ما قد تشكله حربا اسرائيلية ضد ايران من اثارة الشارع الداخلي على انظمة دول المنطقة، من منطلق ان اسرائيل العدو الاول للعرب، وتحتل الاراضي الفلسطينية ولا يجوز مساعدتها في حرب ضد ايران، وحتى بعد التطبيع الخليجي مع اسرائيل عام 2020 إلا أن هذه النظرة الرافضة للمواجهة العسكرية في المنطقة لم تتغير.
3- دوليا: ان وجود معارضة دولية لسياسات ايران في المنطقة ولا سيما تدخلها في بعض دول المنطقة، كذلك رفض اغلب دول العالم ولا سيما الدول الغربية للبرنامج النووي الايراني وعدَّه خطرا عليها، إلا أنه في الوقت نفسه ترى أغلب هذه الدول أنَّ المفاوضات الدبلوماسية هي الطريق الوحيد لحل هذه الخلافات، وترفض أي مواجهات عسكرية في المنطقة، وقد كان للدول الاوربية دور مهم في الاتفاق النووي مع ايران عام 2015 قبل انسحاب الولايات المتحدة منه، بل مازالت تدعم وترعى اعادة المفاوضات النووية لحل هذه الخلافات، يضاف اليه ان الادارات الامريكية المتعاقبة دائما كانت تعارض اي تحرك اسرائيلي عسكري ضد ايران وتعلن ذلك صراحة، وذلك لإدراكها العواقب الكبيرة لمثل هذا العمل على أمن واستقرار المنطقة ولا سيما في الجانب الاقتصادي.

 خلاصة القول، إنَّ المواجهات الخفية والحرب غير المباشرة بين الطرفين ستكون هي السائدة في المستقبل المنظور، وهذه المواجهات الخفية هي اوراق ضغط كل طرف على الآخر من أجل تحقيق مكاسب اقليمية ونفوذ، كذلك يستخدمها الطرفان لأنها اقل كلفة من جهة، والسعي الى استثمارها لتحقيق اهدافهم بوسائل بعيدة عن المواجهات المباشرة، كما أنَّ هذه المواجهات والاعمال الناجمة عنها يمكن التبرؤ منها في أي وقت إن أدت الى انتهاك للقانون الدولي او الاضرار بالسلم العالمي.