الوضع الاقتصادي في العراق بعد عامٍ على حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني

      التعليقات على الوضع الاقتصادي في العراق بعد عامٍ على حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مغلقة

د. فراس حسين علي الصفار.
باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
30 تشرين الأول 2023
شهدت الأوضاع الاقتصادية في العراق، العديد من التغيرات المهمة والجوهرية في جانب البنى التحتية والخدمات ومعالجة البطالة والفقر، مع وجود بعض المشكلات والتحديات لاسيما في موضوع سعر الصرف مقابل الدولار.
بعد مرور عامٍ على تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، لا تزال بعض المشكلات الاقتصادية في المنهاج الحكومي خارج السيطرة، ولعل أبرز الملفات التي طرحها البرنامج الحكومي في الجانب الاقتصادي: إصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية، وتطوير البنى التحتية، وتوفير الخدمات العامة لاسيما ملف الكهرباء، والخدمات البلدية، ومعالجة الفقر، وتوفير فرص العمل للقضاء على البطالة، واستقرار قيمة الدينار العراقي أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وإعادة هيكلة الموازنة العامة، وإدارة المال العام لتقليل ضغط الانفاق الاستهلاكي، وتخفيض نسبة الاعتماد على الإيرادات النفطية، لتمويل موازنة الدولة خلال ثلاث سنوات، عن طريق تنويع الإيرادات غير النفطية وتعظيمها. فضلا عن دعم القطاع الزراعي عن طريق زيادة الإنتاج الزراعي وحمايته. وتطوير القطاع الصناعي ولاسيما الصناعة النفطية، وزيادة إنتاج الغاز، وتطوير القطاع الخاص، وإنهاء ملف الشركات العامة الخاسرة، وتحسين الاستثمار، وتوسيع آفاقه، وتفعيل قطاع السياحة لتنويع اقتصاد البلاد.
إذ استطاعت الحكومة العراقية بعد مرور عامٍ على منحها الثقة، من معالجة العديد من الملفات الاقتصادية، ولعل أبرزها تطوير البنى التحتية المتهالكة، والخدمات البلدية في بغداد والمحافظات لاسيما معالجة شحة المياه، وخدمات الصرف الصحي، وتطوير الطرق والجسور، لتقليل الاختناقات المرورية في العاصمة والمحافظات. أمّا في ملف الكهرباء فقد استطاعت الحكومة من رفع مستوى الانتاج من الطاقة الكهربائية والتجهيز، لزيادة ساعات التجهيز اليومي لاسيما في موسم الصيف، وبالرغم من هذا التحسن ما زال قطاع الكهرباء يحتاج لزيادة انتاج الغاز الطبيعي، لتقليل الاعتماد على الغاز الاجنبي في تجهيز الطاقة، والذي من المؤمل انجازه خلال عمر الحكومة الحالية.
كما قامت الحكومة خلال العام الماضي بمعالجة مشكلة الفقر، عن طريق زيادة الاعانات والمدفوعات النقدية لشريحة من العوائل الفقيرة، ومعالجة مشكلة الفساد في شبكات الحماية الاجتماعية، وزيادة العوائل ضمن هذه الفئة. كما تم ايجاد فرص عمل للشباب عن طريق تعيين العقود وتعيين أصحاب الشهادات العليا والاوائل لتقليل البطالة. أما ما يخص الموازنة العامة فقد قامت الحكومة بتقديم موازنة عامة لثلاث سنوات، تحاول عن طريقها تنفيذ مشاريع خدمية، وتطوير البنى التحتية، وكذلك حل المشكلات المالية العالقة مع اقليم كردستان، بما يضمن الحقوق المالية للطرفين. وإنَّ هدف تقليل الاعتماد على النفط على المستوى البعيد، يعد من الركائز الأساسية للموازنة، فضلاً عن تعظيم الايرادات غير النفطية. وهي من الخطوات المهمة التي سعت إليها الحكومة خلال السنة الماضية.
أمّا ما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية، فقد أسهمت الحكومة في تطوير الانتاج المحلي في ما يخص المحاصيل الاستراتيجية وزياتها، لاسيما محصول الحنطة وتسليم جميع المستحقات للفلاحين، ودعم المنتج المحلي لبقية المحاصيل الأخرى، بالرغم من المشكلة الأساسية المتعلقة بشحة المياه، والتغييرات المناخية وتأثيرها في العراق. كما تم التركيز في القطاع الصناعي بعدّه مفتاح التطور الاقتصادي، وتم إنهاء ملف بعض الشركات الخاسرة، وتطوير الصناعات الرابحة لاسيما الصناعات الغذائية وصناعة الاسمنت، وتم الاهتمام بالصناعات النفطية والغاز بعدَّها القطاعات ذات القائدة للاقتصاد ولاسيما استخراج الغاز الطبيعي، والاستفادة منه في انتاج الطاقة الكهربائية، عن طريق جولات التراخيص، واعتبار هدف خفض الاستيرادات خلال ثلاث سنوات، وكذلك تطوير المصافي النفطية ولاسيما مصفى كربلاء، ومصفى بيجي، والصناعات البتروكيماويات.
ومن أهم الأهداف الاقتصادية الأخرى هي ملف الاستثمار وتطويره، ما ينعكس على الاقتصاد المحلي لاسيما الاستثمار في قطاع الإعمار والمجمعات السكنية، وطرح مجموعة منها للاستثمار للقضاء على أزمة السكن في العراق، كما تم الاهتمام بالقطاع السياحي والنشاطات الرياضية والثقافية لتغيير طبيعة الاستثمارات الاجنبية في العراق، وجعله بيئة جاذبة للاستثمار.
تبقى المشكلة الأهم التي ما زال الوضع العراقي يعاني منها، على الرغم من الجهود الحكومية وهي موضوع استقرار سعر الصرف، الذي أخذ بالتقلب منذ تسنم الحكومة الحالية، وما زال وضع عدم الاستقرار وابتعاد السعر الرسمي عن السعر الموازي، بالرغم من الاجراءات الحكومية ومنها تغيير محافظ البنك المرزي، وخفض سعر الصرف مقابل الدولار، وإجراء جميع العمليات المالية للحكومة بالدينار، إلا إنَّ وضع عدم الاستقرار هو السائد، ويعود السبب لحجم الانفاق الحكومي وشروط الانضمام للمنصة الالكترونية كوسيلة وحيدة للتحويل، وهو ما جعل فرصة المضاربة بقيمة العملة أكبر، وعدم القدرة على التحويل بشكل نقدي، دفع أسعار صرف الدينار مقابل الدولار عند مستويات مرتفعة في السوق الموازية تصل (1600) دينار مقابل كل دولار، وهو يختلف عن السعر الرسمي البالغ (1310) دينار لكل دولار، ولا يتوقع أن يستقر خلال السنة الحالية، بالرغم من وعود الحكومة بإجراءات جديدة للسيطرة على سعر الصرف المحلي.