البريكس والتعاون العالمي للجنوب

      التعليقات على البريكس والتعاون العالمي للجنوب مغلقة

الكاتب: البروفيسور عبد الله شيهو، البروفيسور موريس أوكولي

الناشر: مركز بحوث العولمة

ترجمة وتحليل: م. د. عبير مرتضى حميد السعدي

باحثة في قسم إدارة الازمات

 

        منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1992، شهدت الصفائح التكتونية للجغرافيا السياسية، تحولات جذرية بفعل التوترات الجيوسياسية الراهنة، بما في ذلك الصراع الروسي الأوكراني، والحرب بين إسرائيل وحماس، فضلاً عن ظهور التحالفات الجديدة، والتنافس المحتمل بين القوى العالمية الراغبة في النفوذ في مناطق، مثل إفريقيا وغيرها. لذا، فإننا قد نشهد تزايداً في تعدد الأقطاب على مستوى العالم. على الرغم من وجود العديد من المؤسسات متعددة الأطراف، إلا أنَّ التعددية القطبية أصبحت عبارة تافهة، حيث تقوم الدول الأعضاء بتشكيل تحالفات جديدة، لمواجهة الظلم الملموس في النظام القائم.

أمّا مجموعة البريكس، فقد نشأت من المثلث الاستراتيجي الروسي الهندي الصيني المعروف باسم RIC. وقد كانت هذه المجموعة مروجة من قبل روسيا، لتحدي الهيمنة المفترضة للولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى إلى تجديد العلاقات القديمة مع الهند، وتعزيز الصداقة المكتشفة حديثًا مع الصين. وتعني BRICS الاختصار للاقتصاديات الوطنية الناشئة في البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد صاغ هذا المصطلح في الأصل في عام 2001 باسم BRIC، الخبير الاقتصادي في بنك جولدمان ساكس جيم أو نيل، في تقريره “بناء دول BRIC الاقتصادية العالمية بشكل أفضل”. ثم انضمت جنوب أفريقيا في عام 2010، مما أدى إلى تحول BRIC إلى BRICS.

تتناول هذه الورقة ظهور مجموعة البريكس وتطورها، في سياق الوضع الجيوسياسي الراهن، والتحالفات الاقتصادية من أجل التنمية المستدامة. وتستعرض أهداف البريكس، وتناقش أهمية وجاذبيتها في القرن الحادي والعشرين، لاسيما في سياق التعاون العالمي للدول الجنوب. كما تتناول الورقة الآفاق والفرص والتحديات الخاصة بالشراكة البنّاءة في إطار البريكس، وتستنتج أنَّ “المنظمة كافحت من أجل الحصول على نوع من النفوذ الجيوسياسي، الذي يتناسب مع نطاقها الاقتصادي الجماعي، كما أنَّها تجسد تضافراً بين الثقافات، وتستكشف نموذجاً للدبلوماسية الحقيقية المتعددة الأطراف. تم تشكيل هيكلها وفقًا لحقائق القرن الحادي والعشرين، وترتكز الجهود في إطارها على مبادئ المساواة والاحترام المتبادل والعدالة. ومع ذلك، فإنَّ كتلة البريكس قد يكون لها تأثير كبير، ولكنه لن يكون كافيًا لإحداث ثورة في العلاقات الدولية القائمة”.

أهمية البريكس في تعددية الأطراف في القرن الحادي والعشرين:

     تسعى الدول الأعضاء في المجموعة، إلى الحصول على دور أكبر في العالم، عن طريق برنامجها المشترك للإصلاح العالمي. على الرغم من أنَّ إطار البريكس غير رسمي إلى حد ما، كما هو الحال في معظم المنظمات المتعددة الأطراف، إلا أنَّ المنظمة تكتسب أهمية متزايدة بفضل فلسفتها ومبادئ المساواة. مستمدة إلى حد كبير من البيانات الصادرة في مؤتمرات القمة.

على مدى السنوات، ركزت المجموعة في ضرورة منح القوى الناشئة صوتًا أقوى في الحوكمة العالمية، ولاسيما بعد الأزمة المالية العالمية 2009. تحدثت المجموعة بشكل متكرر عن ضرورة إصلاح المؤسسات المالية الدولية، لضمان “صوت وتمثيل أكبر” للاقتصادات الناشئة، وتوفير مزيد من الشفافية في عمليات اختيار القيادة.

وفي البيان المشترك الصادر في نهاية القمة الثالثة في عام 2011، أكدت الصين وروسيا على الأهمية التي توليها لمكانة الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا في الشؤون الدولية، وشددت على دورهم الكبير في المنطقة، بما في ذلك تمثيلها في الأمم المتحدة. وبحلول القمة الرابعة التي عقدت في نيودلهي عام 2012، أكدت مجموعة البريكس أنَّ الدول الأعضاء فيها تمثل (43%) من سكان العالم، مما يشير بوضوح إلى اهتمامها بمزيد من التمثيل في المؤسسات العالمية. وقد تردد صدى هذا الموقف في العديد من الرسائل اللاحقة.

في عام 2010، كانت مجموعة البريكس في مرحلة مبكرة من تشكيلها، وكانت قابلة للاستبعاد بسهولة، بسبب عدم عدَّها مؤسسة عالمية ذات أهمية. ومع ذلك، فإنَّ الوضع قد تغير بشكل كبير، ومن الصعب الآن إنكار أهمية مجموعة البريكس في الوقت الحالي، فهي سرعان ما استخدمت الدول الخمس الأعضاء بسرعة منصة المجموعة، للتأكيد على ضرورة تغيير مؤسسات القرن العشرين القديمة. تحولت هذه الإشارة إلى عمل فعلي اعتبارًا من عام 2012، إذ استمرت في التقويم الدبلوماسي بتوسيعه سنويًا. وقد شملت هذه التفاعلات تنسيق المواقف السياسية، فضلا عن توسيع الحوار الرسمي والشعبي حول القضايا العالمية ذات الأهمية، مثل تغير المناخ والجريمة المنظمة التي تعبر الحدود الوطنية. بهذه الطريقة، تمكنت مجموعة البريكس من تحويل نفسها، من كيان يمكن تجاهله، إلى جهة ذات أهمية في الساحة الدولية، وهو ما يبرز قوة المجموعة وتأثيرها في تعزيز التغيير والتنوع في النظام العالمي.

فضلا عن ذلك، يلاحظ أنَّ ما بدأ باجتماعات على مستوى القمة، واجتماعات منفصلة لوزراء الخارجية، يشمل الآن اجتماعات الوزراء القطاعيين، ومحافظي البنوك المركزية، ومستشاري الأمن القومي، ومجلس الأعمال، ومجلس مراكز الفكر، والمنتدى البرلماني. بالإضافة إلى ذلك، تضم المبادرات الجديدة مهرجانات ثقافية، ومنتديات للتعاون بين المدن والحكومات المحلية. ومن بين جميع الأطر الهيكلية لمجموعة البريكس، يُعدّ إنشاء بنك التنمية الجديد (NDB)، إلى جانب ترتيبات الاحتياطيات الطارئة (CRA)، الأكثر أهمية بعد فشل الإصلاحات التي طال انتظارها لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ووفقًا للميثاق، يُسهم كل عضو بصوت متساوٍ، ويحمل حصة متساوية من رأس المال في الاكتتاب الأولي، البالغ (50) مليار دولار. فضلا عن ذلك، يُؤكد هيكل الإدارة على التمثيل المتساوي والتناوبي، إذ يعمل بنك التنمية الجديد من مقره الرئيس في شنغهاي بقيادة كي في كاماث، الرئيس التنفيذي السابق لبنك ICICI في الهند، كأول رئيس له. وفي أبريل 2017، وقع البنك أول اتفاقية لقرض التنمية مع البرازيل. وقد عملت دول البريكس بالفعل على تعميق شراكتها على مدى الأعوام الماضية، فعملت على تطوير منظمة حقيقية من مجرد فكرة، لإثبات قدرتها على إنشاء مؤسسات مالية جديدة تتمتع بفرص متساوية. ونتيجة لإزالة روسيا من نظام الدفع العالمي سويفت، تعمل دول البريكس على إنشاء بنية تحتية مالية جديدة، وشبكات دفع وإنترنت بديلة للتأكيد على تعدد الأقطاب في الاقتصاد العالمي.

بالاستناد إلى جميع المؤشرات، يبدو أنَّ ظهور مجموعة البريكس، ومدى الالتزام الذي تظهره في السعي لتحقيق أهدافها، في التنمية الاقتصادية بين أعضائها، يؤكد بشكل واضح على استمرارية البريكس ككيان عالمي. فبناءً على المبادئ التي تأسست عليها، مثل المساواة بين الدول الأعضاء، وحق الوصول إلى صناديق التنمية، تنظر الدول النامية والاقتصادات الناشئة  إلى البريكس، على أنَّها مؤسسة عالمية مهمة. ومن المتوقع أن تلتئم العديد من الدول قريبًا مع مجموعة البريكس، نظرًا للتأثير الكبير الذي تمتلكه في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية العالمية، وفي بناء النظام العالمي الناشئ. إحدى الخصائص الرئيسة المشتركة لدول البريكس، تتمثل في عدد سكانها الكبير، وثرواتها من الموارد الطبيعية، وإمكاناتها الاقتصادية الهائلة، مما يجعلها مجموعة ذات تأثير كبير، ومهمة في المشهد العالمي.

وفي الواقع، فإنَّ نتائج قمة البريكس الخامسة عشرة، التي عقدت في جنوب أفريقيا في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، تحت شعار: “البريكس وأفريقيا: الشراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة”، ربما تكون قد أضافت زخما إلى الكتلة على أساس التزامها بالتعددية الشاملة، ودعم الإصلاح الشامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها؛ “دعم نظام تجاري متعدد الأطراف، مفتوح، وشفاف، وعادل، ويمكن التنبؤ به، وشامل، ومنصف، وغير تمييزي”.

قمة البريكس السادسة عشرة في كازان بروسيا:

     تتولى روسيا حاليًا قيادة مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، فضلا عن خمسة أعضاء جدد (إثيوبيا ومصر وإيران والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية)، التي انضمت إلى الجمعية في يناير 2024.

وحتى انعقاد القمة السادسة عشرة المقبلة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أعدت روسيا حزمة شاملة من الأنشطة التي تهدف إلى بناء صورة إيجابية، وتحديد اتجاهات ملموسة لمستقبل الرابطة، مستندة إلى التطورات التاريخية والحقائق الجيوسياسية الحالية. وفي خطاب خاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن عن الأولويات الرئيسة للقمة، تحت شعار “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين”.

وخلال العام، تخطط روسيا لعقد أكثر من (200) حدث في ثلاثة مجالات رئيسة، لتعاون البريكس: السياسة والأمن والاقتصاد والمالية، فضلا عن الاتصالات الثقافية والإنسانية. وستكون قمة البريكس المقرر عقدها في كازان بالاتحاد الروسي في أكتوبر 2024، تتويجا لرئاسة روسيا.

وتتمثل إحدى المهام الحاسمة في ضمان دمج المشاركين الجدد في آليات البريكس دون المساس بكفاءتهم. ومن أجل تنفيذ إعلان جوهانسبرج الثاني، ستضع روسيا طريقة إنشاء فئة الدول الشريكة في البريكس، وإنشاء قائمة بالمرشحين المحتملين، لتقديم التقرير في قمة كازان. وبالإضافة إلى ذلك، ستسهم روسيا في التنفيذ الشامل لاستراتيجية الشراكة الاقتصادية لمجموعة البريكس حتى عام 2025، وخطة العمل للتعاون في مجال الابتكار ضمن مجموعة البريكس للأعوام 2021-2024.

 كخطوة أولى، تعتزم روسيا ضمان تنفيذ القرار الذي تم اتخاذه خلال القمة الخامسة عشرة في أغسطس 2023 في جنوب أفريقيا، بتوسيع عضوية البريكس، كخطوة مهمة لتعزيز موقف البريكس، كممثل لتنوع العالم متعدد الأقطاب. وفي الخطوة الثانية ستستضيف روسيا عددًا من الفعاليات الثقافية الدولية الكبرى، بما في ذلك مهرجان الشباب العالمي وألعاب المستقبل، وهي مزيج من الرياضات البدنية والرياضات الإلكترونية، والألعاب الرياضية لدول البريكس (ألعاب المستقبل في فبراير، وألعاب البريكس في صيف 2024). التي ستقام في كازان عاصمة جمهورية تتارستان.

وبالفعل، خلال اجتماع مجلس الوزراء في 26 يناير 2024، وجه الرئيس بوتين الوزارات والإدارات الحكومية ذات الصلة، بصياغة مقترحات بشأن توسيع التعاون في المجال المناخي، ومراقبة الغازات النشطة مناخيًا، وقياس الكربون، وتنمية الأساليب، لتقدير التدفقات الطبيعية للغازات الدفيئة وغيرها من العناصر النشطة مناخيًا، وتطوير حلول علمية فنية مشتركة، لتخفيف التأثير البشري في البيئة والمناخ، وتكيف الاقتصادات وسكان الدول الأعضاء مع تغيرات المناخ. ومن المقرر أن يعمل مجلس الوزراء أيضًا، على تطوير الاعتراف المتبادل بالأدوات والتقنيات في هذا المجال من قبل دول البريكس. ويشمل مجال العمل الآخر هو وضع الأساس لتطوير حلول علمية فنية مشتركة، تهدف إلى تخفيف التأثير البشري في البيئة والمناخ، وتكيف الاقتصادات وسكان الدول الأعضاء، مع تغيرات المناخ المؤمل تنفيذه بحلول 3 يونيو.

بالتأكيد، لكي يتوسع المنتدى جغرافيًا بشكل أكبر، لا بدَّ من استخدام التقنيات الأكثر تطورًا، لتمكين المشاركة عن بعد من أي مكان في العالم، كنهج لتعزيز نطاق أنشطة البريكس، وكإشارة واضحة للعمل الجماعي تحت رئاسة روسيا.

 أضافت رئيسة مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي) فالنتينا ماتفيينكو، صوتها إلى البريكس 2024. ولأول مرة خلال الفترة الرابعة في منتدى المرأة الأوراسية، في الفترة من 18 إلى 20 سبتمبر في سانت بطرسبرغ، اقترحت ماتفيينكو عقد جلسة خاصة حول المرأة – منتدى نساء البريكس، كما ذكرت أنَّه “كجزء من المنتدى الرابع، نخطط لعقد منتدى نساء البريكس للمرة الأولى. سيقدم منتدى نساء البريكس نتائج المشاريع القائمة والمبادرات الجديدة، والتي من شأنها تعزيز الشراكات بين الدول الأعضاء في البريكس، بما في ذلك جدول أعمال المرأة”.

آفاق فرص توسع البريكس:

     في القمة الأخيرة لمجموعة البريكس، تم توضيح بعض الملاحظات والأهداف في الإعلان:

“مع إضافة ستة أعضاء جدد، أصبحت مجموعة البريكس تضم الآن (30%) من الاقتصاد العالمي، بإجمالي ناتج محلي إجمالي يبلغ (30.76) تريليون دولار أمريكي، ويشكلون (40%) من سكان العالم. لذا شدد زعماء القمة على ضرورة توسيع التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء في البريكس، وتعزيز العلاقات فيما بينها. ويأمل القادة المشاركون في القمة، أن يمثلوا (50%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2050، مما سيغير المشهد الاقتصادي بشكل جذري.

وتشير التقديرات إلى أنَّ مجموعة البريكس، ستشكل أكثر من (50%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2040، وذلك بفضل التوسع داخل إطار البريكس، فضلا عن التكامل بين عدد من الدول الكبيرة، مما يسهل تحقيق حوالي (50%) من الإنتاج العالمي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، عن طريق تداول البضائع والخدمات.

“في مارس 2022، حذَّر خبراء من صندوق النقد الدولي، من أنَّ العقوبات المالية الشديدة المفروضة على إيران، يمكن أن تهدد بإضعاف هيمنة الدولار الأمريكي تدريجيًا، مما يشجع على تبني نظم دولية أكثر تعددية، ويشجع على ظهور كتل عملات صغيرة، تعتمد على التجارة بين دول معينة”. ومن الملاحظ بالفعل أنَّ دول البريكس أنشأت ترتيب احتياطي الطوارئ (CRA)، وهي آلية تهدف إلى ضمان السيولة للدول الأعضاء، عندما تواجه أزمات ميزان المدفوعات قصيرة الأجل.

وفي هذا الصدد، تقدم البريكس نموذجًا يحفز الدول على الانضمام. ويجادل الباحثون بأنَّ استخدام العملة الموحدة، أو العملات المحلية في التبادل التجاري بين الأعضاء، يمكن أن يكون بمنزلة توازن مضاد لاحتكار أو هيمنه الدولار الأمريكي. وفضلا عن ذلك، فإنَّ “ارتفاع أسعار الفائدة، وقوة الدولار، يجعلان خدمة الديون المقومة بالدولار، أكثر تكلفة بالنسبة للبلدان الأفريقية، وهو الأمر الذي دفع العديد من البلدان إلى أزمة الديون”.

وفي هذا شأن، أشار الخبراء لمجلة جون أفريك الإخبارية، إلى أنَّ حقيقة انضمام مصر وإثيوبيا ودول أخرى من الجنوب العالمي إلى البريكس، قد تعني أنَّها تبتعد تدريجيًا عن نظام التجارة العالمية القائم على الدولار. وقالت إليزابيث روسيلو، الرئيس التنفيذي لشركة AZA Finance المالية الكينية: إنَّه بالنسبة لأفريقيا، فإنَّ استخدام الدولار في التجارة، يعني أنَّ الدول ليس لديها فرصة للتجارة مع بعضها البعض بالعملات المحلية، وشددت على أنَّ الدول الأفريقية تبحث عن طرق جديدة لجمع الأموال، في ظل فشل الكيانات المالية العالمية، مثل البنك الدولي، في إيلاء الاهتمام الكافي للقارة.

تتميز مجموعة البريكس، بأنَّها بنية فوق عالمية، وهي تجسد “ثراء العالم متعدد الأقطاب”، وتحتضن بشكل خاص الجنوب العالمي النامي. وقد أشار ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز، إلى أنَّ مجموعة البريكس تكون جاذبة للدول النامية، لأنَّها يمكن أن تكون بمنزلة حاجز ضد العقوبات الأمريكية. وأضاف المحلل أنَّ دول الجنوب العالمي، تعدّ البريكس بمنزلة ثقل موازن للنظام المالي العالمي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يشير عدد من الخبراء إلى أنَّ توسع مجموعة البريكس، لن يؤدي إلى تجزئة الاقتصاد العالمي. ويعتقد آدم سلاتر، كبير الاقتصاديين في شركة أكسفورد إيكونوميكس، أنَّ إجمالي حصة التكامل في التجارة العالمية لا يتجاوز (3%). وفي الوقت نفسه، يعتقد هاري برودمان، الموظف السابق في البيت الأبيض والبنك الدولي، أنَّ الانضمام إلى البريكس له معنى سياسيًا ورمزيًا أكثر من اقتصاديًا.

ومع ذلك، فإنَّ ياروسلاف ليسوفوليك، كبير الاقتصاديين السابق، ورئيس قسم الأبحاث في دويتشه بنك روسيا، والمستشار السابق للمدير التنفيذي لروسيا في صندوق النقد الدولي، والآن مؤسس مجموعة BRICS+ Analytics (هي مؤسسة فكرية تستكشف إمكانات صيغة البريكس بلاس في الاقتصاد العالمي)، الذي يرى أنَّ هناك توقعات قوية بتعزيز دور مجموعة البريكس، في العمليات الجيوسياسية الناشئة، والمنافسة العالمية على أفريقيا. وتبذل الصين وروسيا حاليًا جهودًا لتأكيد النفوذ بشكل أكثر قوة، على الرغم من التحديات والعقبات، في التعاون مع أفريقيا. كما أكَّد أنَّه لا يوجد الكثير من الآليات الاقتصادية، التي أنشأتها مجموعة البريكس حتى الآن – وكانت المساهمة الاقتصادية الرئيسة لمجموعة البريكس، هي إنشاء بنك التنمية الجديد (NDB)، وترتيب الاحتياطي الطارئ لبريكس (CRA). ومن المقرر أن تقوم مجموعة البريكس للتنمية الجديدة، بتوسيع عضويتها لتشمل المزيد من الاقتصادات النامية، لجعلها أكثر فعالية في دعم الدول الأعضاء. وإنَّ ما ينقصنا في هذه المرحلة، هو آلية مالية من شأنها تسهيل المدفوعات بالعملات الوطنية بين اقتصادات البريكس، لذا المناقشات حول إنشاء مثل هذه الآلية (يشار إليها على نطاق واسع باسم BRICS Pay)، مستمرة منذ عام 2017، ولكن التقدم في هذا المجال كان معتدلًا في أحسن الأحوال. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ مسألة إنشاء عملة مشتركة أو وحدة محاسبية لجميع دول البريكس، تتقدم ببطء أيضًا. ومن المرجح أن تتعاون الصين وروسيا ضمن مجموعة البريكس، من أجل إنشاء تلك الآليات المالية والاقتصادية، التي يفتقر إليها الاقتصاد العالمي.

إنَّ الغرض من مجموعة البريكس ليس تقويض أي اقتصاد، حيث أوضح القادة أنَّهم “ليسوا أصدقاء ضد أحد، ولكنهم يعملون لصالح بعضهم البعض، لإنشاء منصات تعاونية بديلة للتعاون الاقتصادي بين الدول”. وعلى المدى الطويل، يمكن للاتحاد الأفريقي أيضًا المساهمة في إعادة بناء وإصلاح المؤسسات والمنتديات العالمية الرئيسة، مثل منظمة التجارة العالمية، ومجموعة العشرين، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي عام 2023، أصبح الاتحاد الأفريقي عضوًا في مجموعة العشرين، ومنذ يناير 2021 نجح في دفع مشروع التكامل الإقليمي لأفريقيا، عن طريق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA).ومرة أخرى، فإنَّ أفضل طريقة يمكن لمجموعة البريكس المساهمة بها، في نجاح مشروع التكامل الإقليمي، عن طريق زيادة الانفتاح التجاري على الاقتصادات الأفريقية.

إنَّ نجاح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، يمثل خطوة كبيرة نحو التغلب على القيود التي تواجه الاقتصاد الأفريقي، مثل انخفاض الاتصال الإقليمي، وضعف التجارة داخل القارة. تعدّ هذه المنطقة، التي تشكل أكبر سوق قارية منفردة، فرصة هائلة لتوحيد أكثر من (1.4) مليار شخص، في كتلة اقتصادية تصل قيمتها إلى (2.5) تريليون دولار خلال السنوات القادمة. من المتوقع أن تزيد التجارة البينية الأفريقية بنسبة (52.3%) بحلول عام 2025، ويزيد دخل أفريقيا بمقدار يصل إلى (450) مليار دولار بحلول عام 2035، وفقًا لتقرير تقييم صادر عن صندوق النقد الدولي. إذ أشارت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك، إلى أنَّ صندوق النقد الدولي يدعم توسيع مجموعة البريكس، للاستفادة من مزايا التكامل العالمي. وأضافت كوزاك: “نحن نرحب بالدول التي تعمل معًا، وتجد طرقًا للتجارة، لتصبح متكاملة، حتى يتمكن المزيد من الناس، من الاستفادة من مكاسب التكامل العالمي”. لذا، من المتوقع أن يركز أعضاء البريكس الفرديون أو بشكل جماعي، بشكل مباشر على المزيد من التكامل والتعاون العالمي، مما يمكنهم من تحقيق فوائد متعددة، عن طريق دعم خلق التجارة، والتحول الهيكلي، وزيادة العمالة المنتجة، وتقليل الفقر. فضلا عن ذلك، تفتح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، بدون شك، المزيد من الفرص المتنوعة للمستثمرين الأفريقيين المحليين والأجانب من جميع أنحاء العالم. ويمكن استخدام أعضاء البريكس الأفارقة، مثل إثيوبيا ومصر وجنوب أفريقيا، كبوابة إلى الأسواق الواسعة. ويجب على مجموعة البريكس الاستفادة من هذه الفرصة، وتعزيز التكامل التجاري لأفريقيا، وتنفيذ الاتفاقية بشكل فعّال، عن طريق الدعوة إلى السياسات وتطوير الاستراتيجيات. ويمكن لمجموعة البريكس الاستفادة من عمليات التكامل التجاري، بالتعاون الوثيق مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية، وغرف التجارة الأفريقية المتخصصة في جميع أنحاء القارة.

على الرغم من التحديات العميقة، تواصل الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي مسيرتها نحو الوحدة القارية. وإدراكاً لهذه الضرورة، أشارت القمة الخامسة عشرة التي عقدت في جنوب أفريقيا إلى: “اتفق أعضاء قمة البريكس على تقديم دعمهم لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)”، وشددت القمة على أهمية الاستقرار السياسي للقارة الأفريقية، لبناء الثقة في السوق، كما أشارت إلى السبل والأساليب المحتملة لتعزيز التواصل والتعاون، لتوسيع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. وإذا نجح الأمر وتقدمت عملية التنفيذ، فإنَّ ذلك سيسهم في تعزيز الديناميكيات الجديدة للمشاركة، وفي التصدي للعديد من القضايا المعاصرة، مثل: الاتجار بالمخدرات والإرهاب. كما ناقشت القمة أيضًا زيادة عدد السكان في دول البريكس، ومخاوفها المتزايدة بشأن الأمن الغذائي. ومن أجل تحسين الأمن الغذائي، وخفض التكاليف، وتحقيق اقتصاد خالٍ من الكربون، أكَّد قادة البريكس على دور التكنولوجيا الحديثة في النهوض بالزراعة، كما أعربوا عن أملهم في جعل أفريقيا سلة غذاء عالمية.

أشار الدكتور سرينيفاس جونوغورو، وأبينايا رايي، من جامعة ووكسين، حيدر أباد، في مقال لهما، إلى أنَّ مجموعة بريكس تشكل الآن (46٪) من سكان العالم، و(29.6%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأنَّ البريكس يهدف إلى الدفاع عن مصالح الدول النامية، وسط محاولات الدول المتقدمة لفرض معاييرها. مع احتمال إنشاء عملة احتياطية جديدة، فإنَّ المناقشات داخل مجموعة البريكس، حول تسوية التجارة الدولية بالعملات المحلية مستمرة، مما يشكل تحديًا لاحتكار الدولار. إنَّ نمو البريكس يعزز عالم متعدد الأقطاب، ويخلق فرصًا لتوثيق العلاقات، والتعاون بين الدول النامية. ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة بشأن تماسك الرابطة، نظراً لتنوع الولاءات بين أعضائها، لاسيّما وسط العلاقات المتوترة بين الهند والصين.

التحديات:

      على الرغم من الإمكانات والنجاحات التي حققتها مجموعة البريكس، إلا أنَّ هناك تحديات كبيرة تواجه تحقيق أهدافها في الاقتصاد العالمي المتعدد الأقطاب، وهي:

 أولاً- يعتمد ازدهار العالم بشكل كبير على الطاقة والسوق، وعلى الرغم من أنَّ مجموعة البريكس تتمتع ببعض الميزات، نتيجة لوجود الطاقة الروسية والأسواق الهندية والصينية، إلا أنَّ التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين كأكبر الاقتصادات العالمية، يشكل تحديًا كبيرًا لنمو مجموعة البريكس وازدهارها.

ثانياً- تمثل هيمنة الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي، تحديًا كبيرًا لمجموعة البريكس، لاسيما عندما يتعلق الأمر بإدخال عملاتها الوطنية في المؤسسات المالية العالمية. إذ إنَّ الدولار الأمريكي يسيطر أيضًا على أسواق الأسهم العالمية، وأسواق السلع والودائع المصرفية، وتمويل مشاريع التنمية والقروض.

ثالثًا- باستثناء روسيا، تتمتع جميع الدول الأعضاء الأخرى في مجموعة البريكس، بعلاقات قوية مع الغرب، بما في ذلك الصين، عن طريق التجارة. لذلك سيكون من الصعب على الدول، قطع علاقاتها المالية مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام. وعلى الرغم من أنَّ الصين تعد أكبر مصدّر في المجموعة، وتمتلك فائضًا هائلًا، إلا أنَّ عملتها (اليوان) لا تستطيع منافسة الدولار الأمريكي، لأنها ليست متداولة بشكل واسع في الأسواق العالمية. وعلى الرغم من القوة الكبيرة التي تتمتع بها الصين في التجارة العالمية، فإنَّ اليوان يمثل أقل من (2.5%) من المعاملات العالمية، في حين يبلغ حجم المعاملات بالدولار الأمريكي حوالي (40٪) واليورو حوالي (36٪).

وفيما يتعلق بهدف المجموعة المتمثل في إنشاء عملة موحدة أو مشتركة، فقد يقوم أعضاء مجموعة البريكس بالتواصل مع الصين، التي تتمتع بمعدل تضخم منخفض. ولكن التحدي يكمن في أنَّ هذه البلدان، سوف تحتاج أيضاً إلى سياسة نقدية مشتركة، وهيئة تنظيمية مشتركة، وهو ما قد لا يتماشى مع السياسات الشاملة التي تنتهجها البرازيل والهند. ولطالما كانت الصين والهند خصمين تاريخيين، إذ إنَّ الهند تعارض توسع الصين في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ؛ ففي حين أنَّ الهند قريبة من الولايات المتحدة أو الغرب، فإنَّ الصين تشكل منافسًا حقيقيًا أو محتملاً للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي.

خاتمة:

 تطورت مجموعة البريكس، التي أشار إليها الخبراء الأكاديميون، على أنَّها مجموعة من الدول النامية، والتي ركزت في البداية على التعاون الاقتصادي، لتصبح لاعبًا مهمًا في السياسة العالمية. وإنَّ تصرفات المنظمة كمنافس للنفوذ الغربي في الاقتصاد العالمي، وسعيها إلى تحقيق الإصلاحات التي تتوافق مع المصالح الوطنية لأعضائها، القوة الجاذبة والحافزة للدول للانضمام، عن طريق المساهمات الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والوضع الاستراتيجي، والتأثير في التجارة والأمن الدوليين. ومع ذلك، هناك تحدٍ كبير يعيقها، هو: عدم وجود ميثاق رسمي لقبول أعضاء جدد، والصراعات القائمة، مثل تلك القائمة بين الصين والهند، والتي قد تعيق تطور المجموعة. لذا ترى المجموعة بريكس أنَّ النهج التعاوني بين الأعضاء الرئيسين، أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للتغلب على الصراعات الداخلية، وتحقيق أهدافها. فقد “كافحت للحصول على نوع من النفوذ الجيوسياسي، الذي يتناسب مع نطاقها الاقتصادي الجماعي. كما أنَّها تمثل تضافرًا بين الثقافات، وتستكشف نموذجًا للدبلوماسية الحقيقية المتعددة الأطراف. وقد تمَّ تشكيل هيكلها وفقًا لحقائق القرن الحادي والعشرين. وتركز الجهود في إطار عملها على مبادئ المساواة والاحترام المتبادل والعدالة. وعلى الرغم من أنَّ مجموعة بريكس قد تكون لها تأثير كبير، إلا أنَّه لن يكون كافيًا لإحداث ثورة في العلاقات الدولية القائمة”. ومع تولي روسيا الاتحادية رئاسة مجموعة البريكس لعام 2024، سيكون لهذا تأثير في العلاقات الدولية المعاصرة، وسيغير قواعد اللعبة فيها.

 

تحليل:

     على الرغم من أن المجموعة اليوم تمثل أكثر من (43%) من إنتاج النفط العالمي، مما يزيد من قدرتها، ويعزز وصولها الجيواستراتيجي إلى منطقة الشرق الأوسط، عن طريق انضمام الدول الكبرى، مثل: المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة. فضلا عن ذلك، تمثل المجموعة الموسعة الآن (25%) من الصادرات العالمية، حيث يسيطر الأعضاء الأصليون في مجموعة البريكس على (72.5%) من الاحتياطيات العالمية من المعادن الأرضية النادرة، إذ تنتج الصين (85%) من هذه المعادن على مستوى العالم، والتي تستخدم في الأسلحة العالية التقنية، والمواد الاستهلاكية اليومية، مثل: السيارات الكهربائية، ولوحات الدوائر، والهواتف المحمولة. لذا تتوقع الصين والهند والبرازيل ومصر أن تشكل معًا (59%) في عام 2024. ومن المتوقع أيضًا أن تولد الدول الجديدة المنظمة (2.6) تريليون دولار إضافية من الناتج المحلي الإجمالي، مما يرفع الاقتصاد الإجمالي لمجموعة البريكس إلى (28.5) تريليون دولار، أي ما يعادل (28.1%) من الناتج العالمي.

ووفقًا لتوقعات المؤسسات الدولية ومراكز البحوث، من المتوقع أن ينخفض حجم اقتصادات مجموعة السبع، التي تشكل (43.2%) من الناتج العالمي، في حين من المتوقع أن تنمو العديد من اقتصادات البريكس بشكل ملحوظ، وهذا هو الحال بشكل خاص فيما يتعلق بالأعضاء الجدد، مثل: مصر وإثيوبيا اللذين من المتوقع أن ينموا بنسبة (635%) و(1170%) على التوالي، من حيث الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050.

ومع ذلك، في ظل الصراعات الدولية وحالة عدم اليقين، تواجه مجموعة بريكس تحديات كبيرة، تهدد مكانتها الدولية، وقدرتها على تحقيق أهدافها. يتضح أنَّ عدم اليقين الاقتصادي المرتبط بالتوترات الجيوسياسية، لاسيما بين الصين والولايات المتحدة، يدفع الشركات إلى التقليل من تعرضها للصين، مما يؤثر سلبًا في الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين. وتزداد هذه التحديات تعقيدًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، الذي أثر في سمعة بريكس، وزاد من التوترات الجيوسياسية. فضلا عن ذلك، تثير عضوية إيران مخاوف جديدة، بسبب سياساتها المثيرة للجدل، وتورطها في الصراعات الإقليمية.

بشكل عام، تواجه مجموعة بريكس تحديات متعددة، تتطلب تعاونًا أعمق بين أعضائها، للتغلب عليها. بالرغم من القوة الاقتصادية للمجموعة، إلا أنَّ ضعفها الجيوسياسي يجعل من الصعب عليها المنافسة بفعالية في الساحة الدولية. عليها بذل المزيد من الجهود، لتعزيز صورتها ومكانتها الدولية، عن طريق تحسين الاستقرار السياسي، وتقوية العلاقات مع الدول الأخرى.