قصف مقرات الحشد الشعبي في العرق… الاسباب والنتائج

      التعليقات على قصف مقرات الحشد الشعبي في العرق… الاسباب والنتائج مغلقة

م. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

ايلول 2019

ذكرت العديد من التقارير أن الهجمات التي استهدفت مخازن الحشد الشعبي في العراق شملت أربعة مواقع عسكرية تظم مستودعات للأسلحة ذكرت المصادر انها تابعة لقوات الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين وديالى وبغداد والموصل. اللافت للنظر في هذه الهجمات ان اغلب التقارير سواء الغربية وخاصة الامريكية ومنها تقرير للاستخبارات الامريكية في الشرق الاوسط اكدت ان اسرائيل هي من نفذت ضرب مخازن الاسلحة بدعوى انها تضم اسلحة ايرانية في العراق، او في طريقها الى لبنان، كذلك تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي ( بنيامين نتنياهو)  للقناة التاسعة الاسرائيلية بأن اسرائيل سوف تنفذ هجمات ضد أي تواجد من أي بلد (في اشارة الى ايران) في سوريا والعراق او اليمن  يهدف إلى تدميرنا، وهذا يبين حجم التنسيق الاسرائيلي الامريكي في هذه العمليات، ومن خلال مقرات القوات الامريكية المنتشرة في العراق، كذلك لا يمكن ان نستثني وجود بعض الجيوب الداخلية في العراق والتي لها ارتباطات مع اسرائيل ومنها داعش والقاعدة.

ان استهداف اسرائيل لمقرات عسكرية عراقية وبهذه السهولة وبدون ان يكون للعراق القدرة على الرد، لابد ان تكون له اسباب عديدة مهدت الطريق وسهلت هذه العمليات الاسرائيلية في العراق، ومنها:

  • يعد الحشد الشعبي العراق بكل فصائله من افضل الاجهزة العسكرية في المنطقة من ناحية الالتزام والتسليح والروح الوطنية وبذل الغالي والنفيس من اجل ضرب الارهاب ودحره في العراق، فالمعروف ان اغلب المجموعات الارهابية ومنها القاعدة وداعش والنصرة هي مجموعات ارهابية مدعومة من دول غربية واقليمية، وقد كانت اهداف الارهاب المعلنة وغير المعلنة هي تمزيق المنطقة على اسس دينية وطائفية، وضرب الاستقرار فيها وهو مايصب في صالح اسرائيل والولايات المتحدة، وقد كان الارهابيون يتلقون الدعم العسكري المباشر وغير المباشر من هذه الدول، لذلك فان دخول الحشد الى ساحة الميدان وتمكنه من دحر الارهاب وافشال خططه التي خطط اسرائيل والولايات المتحدة، لهذا دخلت اسرائيل بشكا مباشر من اجل ضرب الحشد الشعبي لدعم حلفاءها الارهابيين .
  • ضعف التسليح، بالرغم من الامكانيات المالية التي يملكها العراق، والتي تسمح له بامتلاك اتفضل تقنيات الاسلحة في العالم، الا ان الرفض الامريكي لأي عقود تسليح للجيش العراقي من أي مصدر كانت، كذلك عدم امتلاك العراق لاي معدات دفاع جوي على مستوى كشف الاهداف او مقاومتها، وهي من المسلمات والاحتياجات الاساسية لاي منظومة عسكرية في العالم، كذلك ان القرار العراقي العسكري يهتم بالكم على حساب النوع، فرغم كثرة عديد القرات العراقية الا ان اغلبها قوات مشاة، وترك اجواء العراق مسرحا للطيران الدولي وخاصة الامريكي، مما وفر ثغرة امنية كبيرة مكن اعداء العراق ومنهم اسرائيل من استهداف العراق.
  • الفساد المستشري في كل مفاصل الدول العراقية ومنها المؤسسة العسكرية، اذ ان اغلب عقود الاسلحة تتم مع دول لا تملك تقنية عسكرية متطورة، او يتم شراء اسلحة تعد قديمة مقارنة بما وصلت اليه التقنية العسكرية حاليا، او ان قيمة الاسلحة المستوردة اعلى باضعاف سعرها الحقيقي، وهو ما كان عائقا امام تحديث المنظومة العسكرية العراقية.
  • ان المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية في تشكيل الحكومات العراقية لم تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل وصلت الى الجيش والذي يفترض فيه ان يكون مؤسسة مهنية بعيدا عن المحاصصة والولاءات الفرعية، فغالبا ما يتم اختيار القيادات الامنية على اسس مناطقية وفرعية بعيدا عن الكفاءة والنزاهة والوطنية، مما وفر ثغرة مكن اسرائيل من استغلالها في توجيه ضربات جوية للعراق.
  • تضارب المواقف الداخلية حول الحشد الشعبي، رغم اقرار قانون الحشد الشعبي ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية، ورغم مواقف الحشد الشعبي المشرفة في حفظ وحدة العراق ارضا وشعبا ومواقفه الوطنية، الا ان هناك بعض الاصوات الداخلية التي لا زالت تطالب بحل الحشد وتنعته بمختلف الاوصاف، اذ ان بعض الاصوات عدت استهداف اسرائيل للحشد الشعبي لايعنيها، وبعض الدول العربية اعتبرته دفاعا عن النفس، مما وفر ثغرة داخلية مكن اعداء العراق من الدخول منها وضرب مقرات الحشد الشعبي بحجج واهية.
  • ان بعض قيادات الحشد الشعبي اقحم نفسه في الانتخابات العراقية واصبح ضمن اللعبة السياسية وتوازناتها في العراق، وهو ماجعل الحشد الشعبي يفقد بعض الدعم الشعبي في الشارع العراقي، لهذا نرى ان اغلب المطالب الشعبية والمظاهرات التي خرجت في العراق هي تطالب باحتياجات خاصة او نقص الخدمات، ولكن لم نسمع او نرى أي مظاهرات او مطالب خرجت لدعم تسليح الجيش والحشد الشعبي في العراق، وهو ما جعل اطرافا دولية واقليمية تستغل الفرصة لتوجيه الدعوات لحل الحشد الشعبي، وتوجيه ضربات له.
  • ان اسرائيل باستهدافها مقرات عسكرية في العراق وسوريا ولبنان تهدف الى اضعاف النفوذ الايراني في هذه الدول، فبعد ان فشلت ادواتها من الارهابيين في انهاء هذا التواجد فانها دخلت مباشرة في استهداف مقرات عسكرية يعتقد انها تضم اسلحة ايرانية.

على الرغم من وصول اسرائيل الى اهداف عسكرية في العراق وضربها، فان نتائج هذه الخطوة الاسرائيلية ستكون ذات تأثير واسع على مستوى الداخل العراقي وعلى مستوى الاقليم ومنها اسرائيل وحتى على مستوى التواجد الامريكي في العراق، ومن هذه النتائج هي:

  • لم تعد المنطقة كما كانت قبل عقدين من الزمن، فقد تغيرت التوازنات العسكرية، واصبحت اسرائيل في مرمى الاسلحة من حزب الله وفصائل اخرى، وان أي تصعيد اسرائيلي قد يقود الى اشعال حرب قد لا تكون اسرائيل قادرة او مستعدة لها، فقد تم تنفيذ عملية لحزب الله من داخل فلسطين المحتلة استهدفت الية عسكرية، لهذا فان تنفيذ ضربات لمواقع عراقية سوف يزيد العداء ضد اسرائيل، وقد يتم تنفيذ هجمات ضدها مستقبلا.
  • ان الضربات الاسرائيلية قد وحدت الصف الوطني اكثر من ذي قبل، ففي اجتماع الرئاسات الثلاث في العراق اعلن ان استهداف اسرائيل لأي موقع عراقي يعد اعتداء على العراق، وان العراق له حق الرد، بل وتم تقديم شكوى للأمم المتحدة ومجلس الامن حول الموضوع، وهو ما يزيد من عزل اسرائيل في العالم والمنطقة.
  • شكلت الضربة الجوية لمواقع عسكرية عراقية جرس انذار للمخاطر التي يمر بها العراق، وانه لابد من توفير اسلحة متطورة وخاصة في مجال الدفاع الجوي والصواريخ، من اجل مواجهة أي اعتداء من دول جوار العراق .
  • لقد كان من الواضح ان الاحتلال الامريكي للعراق كان هدفه الاساس هو تدمير القوة العسكرية العراقية التي تشكل خطرا على اسرائيل، ومع اول بوادر لبناء قوة عراقية متكاملة من الجيش والحشد والتي تمكنت من هزيمة الارهاب الامريكي الاسرائيلي المتمثل بداعش، حتى انطلقت كلتا الدولتين في استهداف مقرات الحشد الشعبي بدعوا الخطأ واخيرا بدعوى وجود اسلحة ايرانية، لهذا فقد جاءت الاصوات الوطنية مطالبة بإنهاء الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة ومنع أي طيران لها في العراق، وسوف تكون السيادة على الاجواء العراقية من خلال نصب منظومات الدفاع الجوي.
  • ان خطط الولايات المتحدة في انهاء التعاون بين دول المنطقة وايران قد انتهى الان، اذ ان اطلاق يد اسرائيل في المنطقة واستهدافها ما يعد اصدقاء وحلفاء للولايات المتحدة جعل دول المنطقة لا تثق بالوعود الامريكية، وهنا فان اتجاه التعاون بين العراق ودول المنطقة سوف يزداد، خاص وان ايران اعلنت عن استعدادها لتزويد العراق بمنظومات الدفاع الجوي لصد أي ضربات في المستقبل.

خلاصة القول، ان أي هجمات مستقبلية من قبل اسرائيل او غيرها على العراق سوف لن تبقى بدون رد، كذلك تثبت هذه الهجمات على قوة العراق وانه لا زال يشكل تهديدا جديا لوجود الكيان الصهيوني، وان هدف الولايات المتحدة هو ضرب العراق لحماية اسرائيل، وليس حماية العراق، فهي تضع العراقيل على تسليح الجيش العراقي، وتضع كل قدراتها في خدمة اسرائيل واهدافه، وان هذه الهجمات سوف تكون سبيلا للتعاون بين دول المنطقة لمواجهة الكيان الاسرائيلي واهدافه في المنطقة.