الصراع الانتخابي الأمريكي بين العظمة والانحدار

      التعليقات على الصراع الانتخابي الأمريكي بين العظمة والانحدار مغلقة

ميثاق مناحي العيسى

قسم الدراسات السياسية / مركز الدراسات الاستراتيجية

نيسان/ 2024

 

يتصاعد الهاجس الأمريكي والعالمي، وبعض المؤسسات الأمريكية والعالمية، من مخاوف عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الابيض، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، والمزمع إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام، وما يمكن أن يغيره في طريقة سياساتها الداخلية والخارجية، وطبيعة تحالفاتها الإقليمية والعالمية (السياسية، والاقتصادية، والأمنية)، للحد الذي ذهب بالكاتب والمفكر الأمريكي (جوزيف س. ناي جونيور)، إلى أن يعنون مقاله الأخير بـ (العظمة الأمريكية والانحدار). وإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية، أو الأمة الأمريكية بمختلف توجهاتها (السياسية والايديولوجية)، ستكون على موعد في الأيام القادمة على صراع، وهو الصراع الذي يستمد جذوره من انتخابات 2020، وما رافقها من أحداث، تمكن فيها الرئيس الحالي جو بايدن، من إخراج خصمه دونالد ترامب من البيت الأبيض، بالرغم من أنَّ الأخير لا يزال حتى اللحظة لا يعترف بالهزيمة، ورفض تسليم السلطة لخلفه بايدن، وفق الأصول المعمول بها في البلاد. إذ يرى بعض المحللين الأمريكيين في نيويورك تايمز، أنَّ بايدن وترامب “يمارسان السلطة” بشكل مختلف، فبايدن هو الرئيس الحالي، وصاحب السلطة الشرعية في البيت الأبيض، ما يجعله يتمتع بكل مزايا الجلوس في المكتب البيضاوي وعيوبه. أمّا ترامب فلا يزال يتصرف كـ “رئيس حالي”، وقد وضع أجندة الجمهوريين في واشنطن وعواصم الولايات الأمريكية؛ الأمر الذي يزيد من تكهنات عودة ترامب إلى البيت الابيض، وما يمكن أن تحدثه هذه العودة على الصعيد الداخلي والخارجي. إذ يرى جوزيف ناي في افتتاحية مقالته (العظمة والانحدار)، “أنَّه في حال عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني، فقد يمثل هذا العام نقطة تحول بالنسبة للقوة الأمريكية. وعليه، فإنَّ الخوف من الانحدار الذي شغل الأمريكيين منذ الحقبة الاستعمارية، قد يكون له ما يسوغه، مع اعتقاد أغلب الأمريكيين أنَّ الولايات المتحدة في انحدار، فيما يزعم دونالد ترامب أنَّه قادر على ‘‘جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى‘‘، لكن فرضية ترامب خاطئة ببساطة، والعلاجات التي يقترحها هي التي تشكل التهديد الأكبر لأمريكا” حسب تعبير ناي. فعلى الصعيد الداخلي تنتاب بعض الأمريكيين، مخاوف من عودة الرئيس الشعبوي إلى البيت الابيض، فهناك قلق وتحرك من بعض الجماعات الأمريكية؛ لوضع الخطط والسيناريوهات اللازمة، لمواجهة سياسة ترامب المحتملة في حال فوزه، إذ إنَّ شبكة من جماعات المصلحة العامة والمشرعين، الذين يشعرون بالقلق من عودة الملياردير المحتملة إلى السلطة، تعمل هذه الأيام، على وضع خطط بهدوء لإحباط أي جهد من جانبه، للضغط على الجيش الأمريكي من أجل تنفيذ أجندته السياسية، وتعتقد تلك الأصوات أنَّ الرئيس ترامب، حال عودته للحكم، سيحول الجيش الأمريكي لذراع تنفّذ أجندته السياسية. وتشير بعض التقارير إلى أنَّ هناك خططًا، وضعت استعدادًا لعودة ترامب المحتملة؛ لمحاولة إحباط أي جهود لتوسيع السلطة الرئاسية، التي قد تشمل الضغط على الجيش، لتلبية احتياجاته السياسية، فضلًا عن ذلك، هناك دراسات عن تصرفات ترامب السابقة، وسلوكه السياسي، ومواقفه السياسية لعام 2024، حتى يكونوا جاهزين إذا ما فاز في نوفمبر القادم. ومن بين المشاركين في دراسة الوضع الأمريكي الداخلي في حقبة ترامب الثانية، منظمة “الديمقراطية إلى الأمام”، وهي المنظمة التي رفعت إدارة ترامب إلى المحكمة أكثر من (100) مرة خلال إدارته، و”حماية الديمقراطية”، وهي مجموعة مناهضة للاستبداد. إذ يشعر هؤلاء بالقلق من أنَّه قد لا يكون هناك ما يمنع الرئيس ترامب حال وصوله ثانية، من تعبئة الجيش للتدخل في الانتخابات، أو مراقبة الشوارع الأمريكية، أو قمع الاحتجاجات المحلية. ولاسيما أنَّ الرئيس السابق قد أثار تساؤلات جديدة، حول نواياه إذا استعاد السلطة، عن طريق طرح نظرية قانونية، مفادها: أنَّ الرئيس سيكون حرًا في فعل أي شيء تقريبًا، مع الإفلات من العقاب، بما في ذلك اغتيال المنافسين السياسيين، وذلك طالما أنَّ الكونغرس لا يستطيع حشد الأصوات لعزله. ولهذا وصف بعض المتخصصين الصراع الانتخابي الحالي، المؤدي إلى الانتخابات الرئاسية القادمة، صراع يتأرجح بين العظمة والانحدار، بين من يريد الحفاظ على عظمة الولايات المتحدة الأمريكية وقيمها الديمقراطية، وبين من يريد أن ينحدر بها بشعارات وسلوك شعبوي، من شأنه أن يؤثر كثيرًا في سمعة الولايات المتحدة الأمريكية وعظمتها، على المستويين (الداخلي والخارجي).