مايكل روبن (Michael Rubin):
باحث في معهد المشروع الأمريكي (American Enterprise Institute)/واشنطن، ومسؤول سابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون). ومجالاته البحثية الرئيسة تتركز حول منطقة الشرق الأوسط وتركيا وإيران. وهو مرشد كبار ضباط الجيش الأمريكي المنتشرين في منطقة الشرق الأوسط حول السياسات الإقليمية لدول المنطقة، كما أنه قام بالتدريس في دورات حول الإرهاب وإيران والمنطقة العربية على متن حاملات الطائرات الأمريكية.
الناشر: معهد المشروع الأمريكي AEI
5 شباط 2016
ترجمة وعرض: د. حسين احمد السرحان
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
|
بداية، يؤكد الكاتب أن الشخصيتين الأكثر بروزا في العالم الشيعي هما آية الله العظمى السيد علي السيستاني، والقائد (المرشد) الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. والسيد علي خامنئي يستمد شرعيته من علميته الناتجة من سنوات الدراسة، وتأكيد واعتقاد عشرات الملايين من الشيعة بأن تعاليمه هي الأكثر إقناعاً وشرعية من الناحية الدينية. وكذلك يستمد شرعيته من موقعه كمرشد أعلى لإيران.
ويثير الكاتب أمرا مهما يرتبط بمن يخلفهما. ويضيف: إنه بسبب معاناة كل من السيد السيستاني (85 عاما)، والسيد الخامنئي (76 عاما) من أزمات صحية خلال السنوات الأخيرة، فقد بدأ الناس في النجف وقم (بغداد وطهران) يناقشون فعلاً قضية الخلافة، أي من يخلف السيد الخامنئي والسيد السيستاني.
وبهذا الصدد يقارن الكاتب بين الشيعة والكاثوليك، ويؤكد أن التشيع فيه تراتبية هرمية على غير ما موجود في الكاثوليكية الرومانية. فبينما الكاثوليك لديهم البابا، الكاردينال، المطارنة، الأساقفة، فالشيعة لديهم مراجع تقليد يطلق عليهم تسميات عدة، منها آية الله العظمى، وآية الله، وحجة الإسلام والمسلمين. الفرق بين الاثنين (الكاثوليك والشيعة)، هو بينما مجمع الكاردينالات يختار البابا، مع استثناء مرات قليلة في التاريخ، وكل الرومان الكاثوليك يعترفون باختياره، فإن الشيعة يختارون مرجعهم من بين آيات الله الأكثر علمية.
كما يؤكد الكاتب على صفة لاتتعلق بالشيعة فحسب، وهي أنه في مقابل الحصول على الإرشاد الديني يوافق الشيعة على دفع الخمس (الواجب الديني السنوي) إلى مكاتب وكلاء المراجع (آية الله)، وهذا يمكن أن يزيد من قوتهم ونفوذهم، ومن ثم يتم تحويل هذه الأموال لدعم المزيد من المساجد، والجمعيات الخيرية، ويؤخذ قسم منها إلى طلبة العلوم الدينية، وهذا النظام هو ديمقراطي بطبيعته من دون تدخل الحكومة كفلتر أو وسيط.
وفيما يتعلق بالوضع في إيران والعالم الشيعي الأوسع، يؤكد الكاتب أنه بدا مختلفا بخصوص اختيار المرشد الأعلى. نظريا، أعضاء مجلس الخبراء الـ(86) يجتمعون عند وفاة المرشد الأعلى لاختيار خليفة له. وينتخب الإيرانيون أعضاء المجلس من رجال الدين – والذين سبق فرزهم من قبل هيئات غير منتخبة – في 26 شباط. ومع أن مجلس الخبراء – كما هو معتاد – يجتمع بجلسات غير رسمية، إلا أنه اجتمع مرة واحدة لأجل وظيفته الأكثر أهمية، وهي اختيار المرشد الأعلى. وبالرجوع إلى حزيران من العام 1989، أي بعد مدة قصيرة من وفاة الزعيم الثوري آية الله (روح الله) الخميني، أظهر المجلس نفسه ليكون هيئة ذات طابع مرن. والتقى فعلا أبرز قادة النظام بشكل غير رسمي لاختيار الرجل الذي لايشكل تهديدا لمراكز القوة المختلفة في الجمهورية الإسلامية في إيران.
اليوم، هناك الكثير من التكهنات حول من يخلف كل من السيد الخامنئي والسيد السيستاني، ولكن يبدو على نحو متزايد أن التحليل – على الأقل في الولايات المتحدة – مقيد بالتركيز الكبير جدا على قضية المرشد السابق. عندما أعاد السيد الخميني صياغة مفهوم ولاية الفقيه (الوصاية من الفقهاء) في أطروحته حول الحكم الإسلامي، لم يوصِ بأن تكون الوصاية محدودة بشخص واحد. ومن ثم، إذا لم يكن هناك إجماع على شخصية معينة، سواء قبل اجتماع مجلس الخبراء أم بعده، فالمتصورهوأنالمجلسسيتولىسلطةالمرشدالأعلى. وسيعمل المجلس على حل أزمة الخلافة الحالية. وأيضا يمكن تأشير بداية مرحلة صعبة للجمهورية الإسلامية؛ لأن المجلس من شأنه تأكيد الشقاق والتنافر الذي لايمكن التغلب عليه، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يجعل صراع الفصائل السياسية بمستويات أدنى من مستوى المرشد الأعلى، وهو شيء آخر تماما يجعل صراع تلك الفصائل بعيد عمن يدعي بأنه المتحدث باسم نائب المسيح على الأرض.
أما بالنسبة لمرحلة ما بعد المرجع السيد السيستاني، يطرح الكاتب رأيه بأن الحكومة الإيرانية ستحاول فرض ومنح صفة المرجع لشخصية تؤمن وتتعاطف مع رؤية السيد الخميني في الحكم – على سبيل المثال آية الله محمود هاشمي شاهرودي – لكن من غير المرجح أن يقبل شيعة العراق والعالم الشيعي على نطاق أوسع بشخصية تنتمي أو تؤمن بفكرة ولاية الفقية. وبالفعل، عندما توفى آية الله آراكي عام 1994، كان للسيد الخميني مساعدون يطوفون باسم آية الله آراكي كمرجع، وكان الأخير يهزأ بالفكرة حتى انسحب من الموضوع. وفي النجف وكربلاء يتحدث المثقفون العراقيون عن احتمالات متنوعة، ولكن من المهم هنا الاعتراف بأن فكرة المرجع المنفرد ذات الأهمية القصوى هي استثناء من القاعدة تاريخيا.
إذ إن توحيد المرجعية بشخص واحد أو عدد قليل من الشخصيات البارزة من بين عدة أشخاص لهم معرفة كبيرة في العلوم الدينية – وبحسب رأي الكاتب – هي ظاهرة القرن التاسع عشر، والتي كانت مدفوعة بعدة أسباب منها: دخول التلغراف إلى إيران والعراق عندما كان تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية. ففي البداية كان الشيعة يأتون بطريق طوله مئات الأميال ليدفعوا ثمنا زهيدا ويحصلون على إجابة لأسئلتهم مباشرة من رجل الدين الأعلى في النجف، متجاوزين بذلك رجال الدين المحليين. في ذات الوقت، يمكن لرجل الدين في النجف نشر الفتوى (وهي ليست تصريحات دينية كما يتم تصويرها في بعض الأحيان، بل قد تكون أجوبة على أسئلة دينية) أكثر من أي وقت مضى.
وفي السياق ذاته، يؤكد الكاتب أنه ربما ساعد الابتكار التكنولوجي في توحيد المرجعية في مرجع واحد أو مرجعين، إلا أن الابتكار التكنولوجي ربما أيضا ينعكس سلبا على فكرة المرجع المنفرد مع حالة كحالة السيد السيستاني. فاليوم كل آية الله عظمى وكل مرجع تقليد لديه موقع الكتروني على شبكة المعلومات الدولية “الانترنت” يتضمن الاستفسارات والأجوبة والفتاوى والخطب الدينية وغيرها. وبالنتيجة، فإن كثرة مصادر المعلومة والفتوى الدينية يوفر خيارات أوسع للمواطنين الشيعة الساعين للحصول عليها. فضلا عن ذلك، ففي الوقت الذي تُغلق فيه مكاتب المراجع آيات الله بعد وفاتهم، فإن وكلاء البعض منهم يستمر بتحصيل الخمس حتى بعد وفاة المرجع.
وفي الأخير، ينهي الكاتب مقاله بأنه لايوجد شيء خطأ في حد ذاته مع انتشار القيادة الدينية. فالشيعة كانوا دائما أكثر ديمقراطية في التفكير بهذا الشأن. وهذا هو سببٌ لكثيرين يجدون أن فكرة المرشد الأعلى كما في حالة السيد الخميني وحالة السيد الخامنئي لاتحظى بقبول مطلق.
ومع ذلك – وحسب تأكيد الكاتب – حان الوقت لأولئك الذين يفترضون أن العقود القادمة في العالم الشيعي ستشهد استمرار الوضع الحالي مع اختلافات فقط في الوجوه التي توجه المؤسسات القائمة لمراجعة فرضياتهم. ويبدو أن العالم الشيعي يتجه نحو مرحلة تفرع في القيادة بدلا من القيادة الموحدة، الأثر الذي ربما يغير باستمرار ديناميكيات الداخل المسلم العابر للطائفية.
رابط المقال: http://goo.gl/TVDl3c