أزمة الاحتجاجات والاقتصاد العراقي

      التعليقات على أزمة الاحتجاجات والاقتصاد العراقي مغلقة

د .فراس الصفار رئيس قسم إدارة الازمات  مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء 4 تشرين الثاني 2019      تستمر التظاهرات في العراق بوتيرة غير محددة وسيناريو غير مفهوم، إذ بعد مرور شهر على بدئها يجد أغلب المراقبين إنه لا يمكن توقع القادم منها. وهنا يثار التساؤل الآتي : كيف يمكن انهاء هذه التظاهرات بالرغم من إن المتظاهرين يقولون إن مطالبنا محددة ويمكن أن تطبق على أرض الواقع؟       ومطالبهم بحسب ما يذكرون هي : وطن يحصل فيه الجميع على الحاجات الاساسية التي توفر العيش الكريم، ولتحقيق ذلك يجب تطبيق مبدأ العدالة في توزيع الثروات، وأن يخضع الجميع للحقوق والواجبات نفسها من دون استثناء.     وبالرغم من إن هذا المطلب تكفل به الدستور ولا سيما في المادة (30) منه أولًا: (( تكفل الدولة للفرد وللأسرة – وبخاصة الطفل والمرأة – الضمان الاجتماعي والصحي ، والمقومات الاساسية للعيش في حياة حرة كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب ، والسكن الملائم )) إلا إنه في واقع الأمر يصعب حل هذه المشكلة بسرعة نتيجة السياسات والإجراءات الحكومية السابقة التي أدت لهدر بالمال العام يقدر بمليارات الدولارات خلال (16) سنة التي مضت ، و قد أدت تلك السياسات لتعميق التفاوت في توزيع الدخل بين طبقات المجتمع فضلًا عن ترسيخها بين مناطق المحافظات المختلفة في العراق.      وأما المطالب الأخرى للمتظاهرين فتركزت على تغيير الطبقة الحاكمة ومحاسبة الفاسدين ، ومنع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للعراق.        وفي هذا الموضوع يمكن القول إن الحكومة لا تمتلك في الوقت الحاضر أية خيارات لحل الأزمة ، على الرغم من إن مطالب المتظاهرين في البداية كانت مرتبطة بالجانب الاقتصادي (الفقر ، والبطالة ، والسكن) لكنها بمرور الوقت أصبحت أكثر تعقيدًا، إذ قد تفقد الحكومة العراقية في وقتٍ ما السيطرة على الوضع، و كان يمكن لها تفادي الوضع الراهن لو إنها وضعت حلًا للأزمة بوقت مبكر ولاسيما إنها شعرت بالمخاطر منذ الأول من تشرين، لكنها لم تتدارك أمرها في الخامس والعشرين منه وأبقت الحلول كرد فعل للوضع السائد ، فإدارتها للأزمة كانت غير جيده لأنها تعلم بالنتائج ولم تضع الحلول اللازمة لها ، ومن ثم أصبحت في موقف لا تحسد عليه فهي في نفقٍ مغلق ولا تجد أية خيارات متاحة لتحسين الوضع الراهن.      ويلعب العامل الاقتصادي دورًا مهمًا في الوضع القائم ، إذ يعاني العراق من مشاكل اقتصادية متعددة فضلًا عن المشاكل الاجتماعية التي تمت الاشارة إليها آنفا ومع العوائد النفطية الكبيرة التي يحصل عليها ، فطبيعة الاقتصاد الريعية وارتفاع مستوى الدين العام وانخفاض مستوى التعاملات المصرفية بالرغم من توطين رواتب الموظفين وعجز في الموازنة العامة 2019 بلغ 22.8 تريليون دينار نحو (19 مليار دولار) وانخفاض الانتاج الزراعي والصناعي، وتدني مستوى الانتاجية للعامل، وارتفاع مستوى الاستيرادات وانخفاض مستوى النمو، ولاسيما في القطاعات غير النفطية، وتردي البنى التحتية وانعدام المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية وغيرها تجعل من المشكلة الحالية أكثر تعقيدًا مما تظهر عليه .         ويبدو إن الحلول الممكنة للوضع الراهن هي حلول اقتصادية بدرجة أساسية وليس حلول سياسية، فهؤلاء الشباب والمسنين والاطفال والنساء خرجوا للمطالبة بالحاجات الاساسية وعلى الدولة أن تعي إن توفير هذه الحاجات الاساسية هي مفتاح الحل، وأن يكون التوفير بشكل مستدام وليس لمدة قصيرة كون هذا الحل سيساعد في القضاء على الفقر والحرمان، ومن ثم توفير حلول سياسية للوضع القائم.       و لعل أهم ما في الامر أن تكون الحلول الاقتصادية المقترحة نابعة من سياسات اقتصادية حكيمة، وذات نتائج اقتصادية تخدم فئات المجتمع جميعها، ولاسيما المناطق المحرومة والاكثر تضررًا على وفق مبدأ العدالة، وأن لا يحاول اصحاب السلطة بتلك السياسات الاقتصادية كسب الدعم السياسي ، كما يجب على الحكومة زيادة فرص العمل وأن يكون مبدأ الانتاجية هو الأساس في توظيف العاطلين بوصفه الأساس الاقتصادي الذي يعتمد عليه في تطوير الاقتصاد المحلي، وضرورة توفير الاستدامة في الموارد المالية الحكومية ، وذلك لأن الطبيعة الريعية تجعل من الاقتصاد عرضه لمخاطر متعددة نتيجة تغير في شروط السوق (انخفاض أسعار النفط) ومن ثم سيكون الوضع أكثر خطورة مما هو عليه.       أخيرًا .. الحل المقترح يجب أن يكون من خلال خطة موضوعية تحدد الأهداف قصيرة الأجل والأهداف طويلة الأجل، والآليات الواجب توفرها لتحقيق تلك الخطة ومن المهم أن لا تكون من خلال قرارات مستعجلة، و أن تطرح تلك الخطة بكل تفاصيلها على الخبراء والمتخصصين الاقتصاديين لمناقشتها وإقرارها.      إن أهمية وضع خطة اقتصادية تكمن في إن معظم العمل الذي تم في السنوات الماضية افتقد للتخطيط السليم، وكان عملًا عشوائيا، ومن ثم لا توجد استدامة في الوضع الاقتصادي القائم، فالسياسيون في الحكومة الجديدة يعملون وفقًا لرؤيتهم الخاصة وقناعاتهم من دون مراعاة عمل الحكومات السابقة، هذا فضلاً عن إن القطاع الخاص (المحلي ، والاجنبي) سيكون أكثر استعدادًا للعمل في الاقتصاد المحلي عندما تكون هناك خطة واضحة طويلة الامد لا ترتبط بحكومة معينة.