حكومة السيد محمد توفيق علاوي بين فرضيتين

      التعليقات على حكومة السيد محمد توفيق علاوي بين فرضيتين مغلقة

ميثاق مناحي العيسى/ قسم الدراسات السياسية
شباط/فبراير 2020
Methak1148@gmail.com

لا يخفى على الجميع بأن العراق يمر بمرحلة تاريخية فاصلة منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر في العام الماضي مروراً بالتصعيد الأمريكي الإيراني على الساحة العراقية، فضلاً عن استمرار التظاهرات – على الرغم من تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الموقتة. هذه المرحلة ربما تؤسس لمرحلة جديدة تضع فيها اللبنة الاساسية لملامح دولة حقيقية قائمة على احترام إرادة المواطن العراقي واحترام هويته بعيداً عن كل المسميات التي اعُتمدت طيلة ال17 سنة الماضية. وأن عبور هذه المرحلة بنجاح، يتوقف بشكل كبير على العقل السياسي والقوى السياسية الشيعية، وطبيعة تعاطيها وتعاملها مع هذا المرحلة بعيداً عن مصالحها الحزبية والايديولوجية؛ لأن فشلها في التعامل مع هذه المرحلة، وتجاهلها لمطالب المتظاهرين، من شأنه أن يزيد من عمق الأزمة الحالية، ويضعنا إمام تداعيات خطيرة جداً، ويزيد من فرضية خطر المواجهة المسلحة.
من أجل ذلك، وتماشياً مع ضرورة المرحلة، وضعنا الحكومة المؤقتة في هذا المقال بين فرضيتين. وهاتين الفرضيتين ستناقشان مستقبل حكومة محمد توفيق في حال مررت داخل مجلس النواب العراقي أو فشل تمريرها والنتائج المترتبة عليها. وتأتي أهمية المقال من كونه يناقش موضوع حيوي يتعلق بمستقل الدولة والشعب العراقيين في مرحلة تاريخية فاصلة. وسنحاول من خلاله، الاجابة على بعض التساؤلات التي تدور في اذهان جميع العراقيين في هذه المرحلة، إلا وهي: هل أن رئيس الوزراء المكلف سيكون قادراً على اقناع المتظاهرين بتشكيلته الحكومية، وهل أن القوى السياسية العراقية، ستمنح علاوي الحرية الكاملة في اختيار كابنته الوزارية، وستدعمه في تلبية مطالب المحتجين وتحقيق الاستحقاقات الوطنية المقبلة أم سنكون إمام سيناريوهات أخرى؟.
الحكومة المؤقتة بين فرضيتين
ستكون الحكومة المؤقتة التي يسعى لتشكيلها رئيس الوزراء المكلف والإعلان عنها وعرضها إمام مجلس النواب خلال الاسبوع المقبل إمام فرضيتين:
الفرضية الأولى: فرضية الرفض، أي رفض الحكومة المؤقتة من قبل المتظاهرين أو من قبل بعض القوى السياسية أو من قبل الاثنين معاً، أو فشل رئيس الوزراء المكلف بتمرير كابنته الوزارية من خلال مجلس النواب العراقي. وهذه الأخيرة قد لا نعرج عليها في متن المقال؛ لكن سنسلط الضوء على سيناريوهاتها المتوقعة في خاتمة المقال.
الفرضية الثانية: فرضية القبول، أي قبول الحكومة من قبل المتظاهرين أو من قبل القوى السياسية أو قبولها من قبل الاثنين معاً، وهذا يتوقف على طبيعة وآليات تشكيل الحكومة المؤقتة وطريقة تمريرها. أي بمعنى أن رئيس الوزراء المكلف قادر على اقناع المتظاهرين في ساحات الاعتصام بتشكيلته الحكومية أم لا، وهل سيتجاوز عقبة القوى السياسية؟. إن نجاح رئيس الوزراء في تمرير حكومته داخل مجلس النواب، سيضعه إمام عدة اشكاليات، ابرزها:
أولاً: اشكالية الشرعية الشعبية
لا تختلف الحكومة المؤقتة من ناحية الشرعية الشعبية عن الحكومة السابقة “حكومة عادل عبد المهدي”، فرئيس الوزراء المكلف جاءت به بعض القوى السياسية بعيداً “نوعا ما” عن إرادة المتظاهرين؛ ما يجعله عرضة لفرضية الفشل وغياب الدعم الشعبي له.
ثانياً: إشكالية الشرعية السياسية
ربما لا تختلف الحكومة المؤقتة عن الحكومة السابقة، فكلاهما جاءتا باختيار كتلتي “الفتح وسائرون” بعيداً عن مفهوم الكتلة النيابية الأكبر. فضلاً عن اشكالية مواقف القوى السياسية الأخرى.
ثالثاً: اشكالية الوقت في تشكيل الكابية الوزارية وعمر الحكومة المؤقتة
سيكون رئيس الوزراء المكلف في اختبار حقيقي من خلال المدة التي سيعلن فيها عن تشكيل كابنته الوزارية وعرضها على مجلس النواب العراقي، خلال المدة الدستورية، على الرغم من إن تكليفه قد تم في الأول من شهر شباط، فضلاً عن ذلك، فأن الحكومة المؤقتة ستكون إمام اشكالية حقيقية فيما يتعلق بعمرها بشكل عام.
رابعاً: اشكالية الرفض المبطن من قبل المرجعية الدينية
إن موقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف ربما يكون متماشياً مع الموقف الشعبي، ولاسيما في حال ظهرت بوادر فشل حكومة السيد علاوي مع بداية تشكليها، واستمرار الحراك الشعبي الوطني في ساحات التظاهر.
خامسا: إشكالية مواقف القوى السياسية الأخرى
هناك رفض واضح من بعض القوى السياسية لشخص محمد توفيق علاوي، وهذا الرفض لم يقتصر على قوى سياسية محددة، وإنما تباين بين القوى السياسية الشيعية والكردية والسنية. وهو رفض نابع من مطامع سياسية (حزبية وقومية) على مكتسبات المرحلة الماضية، ومن شأنه أن يضع حكومة محمد توفيق علاوي في اشكالية حقيقية.
سادساً: اشكالية العلاقة بين بغداد وأربيل
ربما تعد هده الاشكالية من اصعب واعقد الاشكاليات التي مرت بها كل الحكومات العراقية السابقة بعد عام 2003، وربما تكون الحكومة المؤقتة، احدى ضحايا هذه الاشكالية، ولاسيما إن القوى السياسية الكردية فرضت رؤيتها السياسية ومطامعها الاقتصادية على كل الحكومات السابقة، وما تزال متمسكة بتلك المطامع والمكتسبات، بغض النظر عن ما يحدث في وسط وجنوب العراق.
سابعاً: اشكالية الدعم الدولي والإقليمي وطبيعة تعاطي الحكومة المؤقتة مع الصراع الأمريكي – الإيراني
هذه الاشكالية، ربما ستكون من أصعب التحديات التي ستواجه حكومة محمد توفيق علاوي؛ لكونها تأتي في مرحلة حرجة من مراحل التصعيد في الصراع الأمريكي – الإيراني، وطبيعة انعكاسه على الواقع السياسي والأمني العراقيين، ولاسيما إن علاوي جاء بدعم كتل سياسية معارضة للتواجد الأمريكي في العراق.
ثامناً: اشكالية خروج القوات الأجنبية من العراق
على الرغم من قرار البرلمان العراقي الذي صوت عليه مجلس النواب في 5/1/2020، غير ملزم للحكومة العراقية، وهو بمثابة توصية وليس قانون ملزم للحكومة القادمة، إلا إن هذا الملف سيكون من الملفات الشائكة والمعقدة إمام الحكومة المؤقتة، وربما تدفع بعض القوى السياسية، بالحكومة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال أصرارها على خروج القوات الأمريكية، ولاسيما إن كتلتي (الفتح وسائرون) اللتان جاءتا برئيس الوزراء المكلف، هما أبرز الداعمين والمصوتين على هذا القرار.
فرص الحكومة المؤقتة
على الرغم من أن كل التحديات التي تطرقنا لها أنفاً، فيها بوادر فرص حقيقية لصانع القرار العراقي، فهي بمثابة سلاح ذي حدين. فضلاً عن ذلك، فربما لا تواجه كابينة السيد محمد علاوي الحكومية عقبات في مجلس النواب، بفضل الدعم الذي يلقاه من أكبر كتلتين نيابيتين (تحالف سائرون والفتح). وهذا من شأنه أن يحول تلك التحديات أيضاً إلى فرص، فيما إذا اتخذت حكومة علاوي إصلاحات حقيقية خلال الفترة المقبلة على الصعيد السياسي، ولاسيما إن الموقف الأمريكي والإيراني كانا داعمين بتكليف علاوي.
الاستحقاقات الوطنية المطلوبة من الحكومة المؤقتة
نعرف جميعاً بأن الحكومة المؤقتة، هي حكومة أرضاء للشارع وتصريف أعمال أكثر مما هي حكومة مشاريع وإقرار سياسيات استراتيجية؛ لكن هناك بعض الأمور التي من الممكن أن تركز عليها حكومة علاوي أكثر من غيرها؛ وذلك لتحاشي التصعيد الجماهيري والصدام المسلح، أبرزها:
1. كابينة وزارية مستقلة بعيداً عن المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية.
2. القدرة على اقناع المتظاهرين وتلبية مطالبهم، ولاسيما تلك التي تتعلق بالجزء الحكومي.
3. البدء بمكافحة الفساد بكل اشكاله وعلى كافة المستويات. إذ وعد علاوي المتظاهرين بعد لقاءهُ معهم وفقاً لما ذكره “هشام الهاشمي”، بأنه سيتخذ إجراءات لمعالجة الفساد والقطاع العام من خلال تغيير حوالى 170مسؤولا حكوميا بالوكالة و450 مديرا عام في مختلف الوزارات.
4. اتخاذ اجراءات حقيقية في حصر السلاح بيد الدولة وضبط حركة الفصائل المسلحة .
5. تحديد موعد للانتخابات المبكرة والإشراف عليها.
6. الحفاظ على العلاقة بين الإقليم والمركز من خلال الدستور. وهذا نقطة غاية في التعقيد، ولاسيما إن أربيل تطالب بأكثر من حصتها، ولديها الرغبة الكبيرة في افشال حكومة علاوي وما زالت متمسكة ببعض الوزارات.
7. منح بعض الوزارات إلى اسماء قريبة من المتظاهرين. وهذا ما تعهد به رئيس الوزراء المكلف بمنح ناشطين وزارتين كحد أعلى في تشكيلة حكومته.
8. تنشيط القطاع الخاص، ودعم توجهات الدولة العراقية في تطوير القطاعات الصناعية ودعم قطاع الزراعة وغيرها من القطاعات الأخرى.
خيارات رئيس الوزراء المكلف في تشكيل حكومته المؤقتة:
1. تعيين وزراء مستقلين باختيار شخصي مع مراعاة التقسيم الحزبي والمكوناتي
2. تعيين أسماء مستقلة لكنها مقترحة من الكتل
3. الخروج إلى الإعلام، وإعلان فشله بسبب ضغوط الكتل، كما تعهد بذلك في يومه الأول.
4. الجمع بين المستقلين والمتحزبين وايهام الشعب العراقي بإصلاحات مقبلة.
مستقبل العملية السياسية في ظل المعطيات الحالية
ربما هذه الفترة “فترة حكومة علاوي أو الحكومة المؤقتة”، ستحدد مستقبل العملية السياسية وفقاً للفرضيتين اعلاه “القبول والرفض” أو فرضية “النجاح والفشل”؛ لأن الوضع الحالي أو الحالة السائدة منذ 17 عام، لايمكن أن تستمر على ما هي عليه، ولاسيما في ظل هذا الحراك والوعي الجماهيري الرافض لهذا السلوك. وعليه ربما نكون إمام بعض السيناريوهات:
سيناريو النجاح: نجاح حكومة علاوي في تحقيق المطالب والاستحقاقات الوطنية “اعلاه” قد تكون البداية الحقيقية في بذرة إصلاح العملية السياسية وتصحيح مسارها على كافة المستويات ومعالجة أداء النظام السياسي الحالي.
سيناريو الفشل: إن فشل الحكومة المؤقتة في تنفيذ الإصلاحات التي خرج من أجلها الشعب، ربما ستؤدي بنا إلى سيناريوهات مرعبة، قد تهدد مستقبل العملية السياسية والنظام السياسي الحالي. وقد يكون سيناريو التقسيم الطائفي للعراق احد برز ملامح ذلك الفشل. فضلاً عن ذلك، فأن سيناريو فشل تمرير حكومة علاوي داخل مجلس النواب العراقي، سيضعنا إمام سيناريوهات لا تقل خطورتها عن السيناريوهات المترتبة على فشلها في حال مررت، أن لم تكن أخطر منها.
وعليه، فأن منح البرلمان الثقة للحكومة الموقتة بتشكيلة حكومية بعيدة عن المحاصصة (الحزبية والقومية)، وتحديد موقت محدد للانتخابات المبكرة، وأقناع المتظاهرين وأشراكهم في التشكيلة الحكومية المؤقتة من خلال اختيار بعض الوجوه المقبولة من قبل ساحات التظاهر، وانشاء محكمة خاصة لمعاقبة ومحاسبة قتلة المتظاهرين، والبدء بإجراءات حقيقية في مكافحة الفساد، فضلاً عن، تعويض عوائل شهداء التظاهرات ومتابعة وضعهم الدراسي بتخريجه تضمن عدم ضياع عامهم الدراسي بالاتفاق مع وزارتي التربية والتعليم العالي، ومتابعة نشر قانون الانتخابات في الجريدة الرسمية، عوامل من شأنها أن تطمئن المتظاهرين وتقنعهم في العودة إلى منازلهم.