موقف إيران من الصراع الأذربيجاني – الأرميني: قراءة في ابعاد النموذج السياسي

      التعليقات على موقف إيران من الصراع الأذربيجاني – الأرميني: قراءة في ابعاد النموذج السياسي مغلقة

 

م. ميثاق مناحي العيسى

قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية

تشرين الاول/ 2020

أحدث التصعيد العسكري بين أرمينيا وأذربيجان الأخير على أثر النزاع الذي حصل بينهما في إقليم (ناغورنو كاراباخ) في أذربيجان منذ 27 سبتمبر/أيلول 2020، ردود فعل دولية وشعبية، منها ما هو رافض، ومنها ما هو متحفظ، ومنها من هو داعم بشكل غير مباشر لدولة دون أخرى، وفقاً للمصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية والجغرافية، فضلاً عن البعد التاريخي. إلى جانب ذلك، هناك بعض الابعاد التي تحكم طبيعة المواقف الدولية من الحرب الأذرية – الأرمينية، كموقف تركيا وإيران، اللذان أثارا الكثير من ردود الفعل الشعبية؛ بسبب مواقفهما السياسية المغايرة لسلوكهما السياسي في المنطقة، والبعيدة عن الأيديولوجيات التي يسّوقونها سياسياً ومذهبياً في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام. في هذا المقال، سنتناول فرضية الموقف الإيراني فيما يتعلق بأبعاد النموذج السياسي فقط، دون الإشارة إلى طبيعة الصراع ومسبباته بين أرمينيا واذربيجان، والموقف التركي منه.

حقيقة الأمر تتعّدد دوافع وابعاد الصراع الأذربيجاني – الأرميني، فمنها ما هو تاريخي، كالصراع القائم تاريخياً بين الأذربيجانيين والأرمن، ومنها ما هو جغرافي، الذي يتعلق بالاحتلال الأرميني لبعض الاقاليم والمناطق الأذرية منذ تشرين الأول/ اكتوبر عام 1993م، فضلاً عن الابعاد الاقتصادية والجيوسياسية، التي تتعلق بتعظيم الموارد المائية والثروة الطبيعة والنفطية، والابعاد الجيوسياسية، التي تدور في العقل السياسي الأوروبي في قطع الطريق على تركيا من مد جسور علاقاتها مع دول القوقاز . وهذه الابعاد تتداخل فيها مصالح دول كثيرة إقليمية وقارية، إلى جانب التداخل المحلي بالنسبة للدولتين (أذربيجان وأرمينيا). تحاول إيران أن تتعامل بحذر مع الصراع الدائر بين الدولتين، على الرغم من مواقفها المعلنة ضد أذربيجان ورئيسها علييف، الذي عادةً ما تتهجم عليه الصحف الإيرانية، بطرق ووسائل لا تختلف عن تلك الاوصاف الذي يتبعها العقل السياسي – الديني الإيراني ضد منافسيه أو معارضيه السياسيين أو الايديولوجيين في منطقة الشرق الأوسط والعالم، سواء في العراق، لبنان، سوريا والخليج العربي، أو على المستوى العالمي، وأن الموقف الإيراني المناهض لموقف الرئيس الأذربيجاني، ينطلق من أبعاد اعمق من الابعاد المعلنة سياسياً أو تلك التي تتعلق بالمصالح الاقتصادية، وهو موقف له دوافعه السياسية – الايديولوجية، التي تنتاب العقل السياسي الإيراني أو النموذج الإيراني بشكل عام. فالموقف الإيراني يكاد يتحّدد ببعدين، على الرغم من أن الأول، لا يبدو مهم للغاية، أو مثير للقلق الإيراني، وهو الموقف المتعلق بالصراع بين الأذر والأرمن، وخشية طهران من انتقال الصراع الداخلي لها، على العكس من البعد الآخر، الذي يتعلق بالنموذج السياسي الاذربيجاني، الذي يثير الكثير من المخاوف لدى طهران، ولاسيما في ظل التقارب السياسي بين تركيا واذربيجان، على الرغم من التباين المذهبي والايديولوجي بينهما؛ الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الدور التركي، أو أن يؤدي إلى تلميع النموذج السياسي الأذري على حساب النموذج السياسي الإيراني، ولاسيما فيما يتعلق بأدوات إيران الناعمة على المستوى السياسي والديني والمذهبي، التي تحاول تصديرها وتسويقها على المستوى الإقليمي والعالمي، سواء فيما يتعلق بأنموذج التشيع السياسي أو نموذج الإسلام الإيراني بشكل عام.

بالمجمل، يبدو  أن النموذج السياسي الأذربيجاني، يثير قلق الإيرانيين، ولاسيما أن كلا البلدين شيعيان في غالبيتهما، وأن نجاح النموذج الأذربيجاني العلماني، القريب من النموذج التركي، والمختلف ايديولوجيا وسياسياً بشكل كبير عن النموذج الإيراني “ولاية الفقيه”، ربما يكون ملهماً لدى الشيعة في المستقبل القريب أو البعيد على حساب النموذج الإيراني، الذي تشّكل بعد الثورة الإسلامية عام 1979م، ولاسيما في ظل المشاكل السياسية والصراعات المذهبية وحالة عدم الاستقرار الذي تسّبب بها النموذج الإيراني في العراق والمنطقة بشكل عام. والتقاطعات الكبيرة بين النموذج الإيراني، واغلب دول المنطقة والعالم؛ الأمر الذي من شأنه أن يرّجح النموذج الأذربيجاني، بأن يكون ملهماً أكثر من النموذج الإيراني، ولاسيما في ظل توافر الامكانات اللازمة له، وخشية طهران بأن يمتد هذا النموذج إلى الداخل الإيراني، في ظل تواجد العديد من القومية الأذرية في المجتمع الإيراني، فغالبية الأذريين لا يحبذون أو لا يرغبون بطريقة المزج التي تتبعها طهران في نظامها السياسي، أي المزج بين ما هو ديني وما هو سياسي، ويفضلون النموذج العلماني على حساب النموذج الاصولي المتبع في إيران.  لهذا يبدو بأن هذا البعد من أهم الابعاد التي تحدد طبيعة الموقف الإيراني من الصراع القائم بين أرمينيا وأذربيجان، وهو ما يعطي رسائل واضحة لكل صنّاع القرار في العالم، ولاسيما صنّاع القرار في العراق، بأن مواقف الدول من الاحداث الدولية والإقليمية تُبنى على أساس مصالحها القومية العليا، بعيداً عن الاصطفافات المذهبية والدينية والايديولوجية، التي من شأنها أن تزيد من حجم التعقيد والازمات الداخلية وتنعكس سلباً على حالة الاستقرار السياسي للبلد.