هدف الولايات المتحدة الامريكية من تأجيج الصراع بين روسيا واوكرانيا

      التعليقات على هدف الولايات المتحدة الامريكية من تأجيج الصراع بين روسيا واوكرانيا مغلقة

 

م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

نيسان 2021

تعد اوكرانيا ثاني اكبر دولة في اوروبا الشرقية، وكانت جزءا من الاتحاد السوفيتي سابقا قبل ان تحصل على الاستقلال عام 1991 بعد تفككه، وقد عانت كغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق المستقلة من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد تراجع النمو الاقتصادي بشكل كبير وانتشر الفساد والجريمة، اضافة الى اضطرابات سياسية بين الاحزاب السياسية المنقسمة في ولائها لروسيا والغرب، وقد ازدادت الامور السياسية سوءا علم 2014، بعد ظهور حركات انفصالية مدعوكة من روسيا في شرق اوكرانيا، ثم قيام روسيا بضم جزيرة القرم في نفس العام، من خلال اجراء استفتاء لسكان القرم  للانضمام الى روسيا، هذه الاحداث وتلاحقها جاءت من خلال التنافس الروسي الامريكي على موقع اوكرانيا واهميتها، وسعي كلا الجانبين الى تقديم دعم الى انصارهم داخلها من اجل هزيمة الطرف الخصم.

اخذت التحركات الاوكرانية الاخيرة منحى جديدا بعد اعلانها اقامة مناورات مع قوات حلف الاطلسي (الناتو)، كذلك تحشيد قوات عسكرية كبيرة على جبهات القتال مع الانفصاليين في دونباس، وهو ما فسر من قبل روسيا الاتحادي ان هذه التحركات جاءت بدعم امريكي ضدها، وقد هددت بانها سوف تجتاح اوكرانيا في حالة نشر اي قوات من حلف الناتو على اراضيها، فروسيا تخشى التقارب بين اوكرانيا والولايات المتحدة، وتعد أوكرانيا ذات اهمية كبيرة لها، وهي رفضت بشدة انضمام اوكرانيا الى حلف شمال الاطلسي (الناتو)، امنيا تأثير ذلك على الامن القومي الروسي، ويجعل من القوات الامريكية على حدود روسيا الاتحادية مباشرة، وعدها خط الدفاع الاول عن اراضيها، كما ان روسيا تسعى الى تعزيز أسطولها في البحرين الأسود والأبيض المتوسط، سياسيا، رفض روسيا القاطع السماح للغرب بالاستحواذ على أوكرانيا، واستمرارها في دعم حلفاءها للتاثير على الساسة في كييف بما يحول دون استقرار حكومة موالية للغرب، إضافة إلى خشية روسيا من استثمار الغرب لأوكرانيا والتغلغل الى احداث ثورات في روسيا، ولأوكرانيا أهمية رمزية لروسيا لأنها مهد العِرق الروسي، وتضم ما نسبته 17% من اصول روسية، ويسعى الكرملين كذلك الى تعزيز مكانة روسيا دوليا من خلال السيطرة على ما يسميه “الجوار القريب” وهو يشمل الجمهوريات التي ظهرت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1991، اقتصاديا تعد أوكرانيا مركز اساسي لشبكة الأنابيب التي تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية، ورغم أن روسيا حاولت أن تلتف على أوكرانيا من خلال بناء خط أنابيب السيل الشمالي عبر المانيا والجنوبي عبر بلغاريا، الا ان معظم الغاز الطبيعي الروسي لا يزال يمر عبر شبكة الأنابيب الأوكرانية الى اوروبا، وبالتالي، فإن إحكام السيطرة على شبكة أنابيب أوكرانيا مصلحة حيوية لروسيا.

ان هدف الولايات المتحدة من اثارة الصراع بين اوكرانيا وروسيا فهي عديدة ومهمة ايضا، وهي تسعى الى تحقيقها من خلال تقديم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لحكومة كييف:

عسكريا واستراتيجيا: اصبحت كييف تتلقى انواع الاسلحة الامريكية، فقد اصبحت تستخدم طائرات مسيرة غربية الصنع في العمليات العسكرية ضد الانفصالين في الدونباس، كذلك دفع اوكرانيا للإنظام الى حلف الاطلسي من اجل بناء قواعد عسكرية فيها ونصب اجهزة تنصت متقدمة قريبة من الاراضي الروسية. يضاف اليه الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به اوكرانيا في شرق اوروبا موقعها على البحر الاسود القريب من مصادر الطاقة في القوقاز وبحر قزوين، والممتد الى البحر المتوسط والشرق الاوسط، ومن ثم جعل اوروبا الشرقية تحت الهيمنة الامريكية المباشرة وابعاد اي نفوذ روسي فيها.

سياسيا: تسعى واشنطن من خلال اوكرانيا لضغط على موسكو في مناطق اخرى من العالم، فهي تريد ابعادها من الشرق الاوسط وخروجها من سوريا، كما ان واشنطن تسعى الى كسب اوكرانيا الى جانبها وهو ما يعزز قدراتها في اسيا الوسطى واوروبا الشرقية، ومن خلال اوكرانيا تسعى واشنطن الضغط على موسكو لإنهاء شراكتها وتعاونها مع الصين، فقد اصبحت الصين قوة اقتصادية كبيرة ومنافس مستقبلي لها، وسعي الصين الى غزو الاسواق العالمية ولا سيما في اوروبا الغربية واسيا وافريقيا وحتى في امريكا اللاتينية من خلال ما يسمى طريق الحرير وتفرعاته، فقد اصبحت البضائع الصينية تصل الى الاسواق الاوربية من خلال القطارات عبر روسيا وبوقت اقل بكثير من الطريق السابق البحري عبر قناة السويس، هنا فان الخشية الامريكية من توسع التعاون الصيني الروسي وتأثيره على امنها القومي هو ما دفعها الى تحريك اوكرانيا لعمل العسكري ضد روسيا، كما ان واشنطن تسعى كذلك الى احداث مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا واوكرانيا من اجل اضعاف روسيا وتفكيكها.

اقتصاديا: ان هدف الولايات المتحدة الاساس هو خنق روسيا اقتصاديا وفرض عقوبات عليها، من خلال وجود حلفاء لها في دول اوروبا، وبما ان الغاز الطبيعي يعد سلعة مهمة لتمويل الموازنة الروسية، لهذا فان وقف تصدير الغاز عبر اوكرانيا الى اوروبا الغربية هو هدف اساسي، وان اثارة المشاكل والصراع بين موسكو وكييف سيقود بالنتيجة الى وقف تصدير الغاز، وهناك خشية امريكية اخرى من وجود المشروع الروسي الجديد للنقل البحري عبر القطب الشمالي وعده اقصر وامن طريق لنقل بين شرق اسيا واوروبا وكندى، خاصة بعد حادثة جنوح العبارة في قناة السويس وتعطيل الملاحة لعدة ايام، ان هذا المشروع الاقتصادي سيكون عامل دعم لروسيا عالميا وجعلها ممر التجارة العالمية مستقبلا، خاصة من دول شرق اسيا الحليفة للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لهذا فان اثارة المشاكل على حدود روسيا سيكون كفيلا بتعطيل هذه المشاريع.

دفع الولايات المتحدة اوكرانيا الى التحرك العسكري وتحشيد القوات على حدود الدونباس والقرم وفق اغلب المعطيات لن يصب في صالحها، لان النهوض الروسي وطموحها باستعادة دورها وقوتها العالمية وضمها شبه جزيرة القرم وتدخلها المباشر في سوريا، اضافة الى انها كانت الطرف الاساس في انهاء حرب ارمينيا واذربيجان عام 2020، وان التحالف الصيني الروسي هو تحالف استراتيجي نابع من شعور الطرفين بوجود خطر امريكي عليهم، وان اي تراجع من احدهم من المواجهة مع واشنطن تعني هزيمتهم، هنا فان احتمال حدوث تدخل روسي في اوكرانيا كما حصل في القرم وارد جدا، فأوكرانيا ليست ضمن حلف الاطلسي او الاتحاد الاوربي، وهي فرصة لموسكو لتنفيذ اهدافها، يضاف الى وجود معارضين ولا سيما في شرق اوكرانيا لنظام الحكم فيها الموالي للغرب، كما ان الروابط الدينية والقومية بين موسكو وكييف هي روابط تاريخية وانهم ضمن امة واحدة هي الامة السلافية، يضاف الى ذلك وجود تراجع امريكي ملحوظ على مستوى العالم، فقد اظهرت الانتخابات الامريكية وما تلاها من احداث وجود تدخل خارجي فيها، وان الوضع الداخلي الامريكي اصبح مرتبك وغير مستقر، خاصة بعد حادثة اقتحام الكونغرس من قبل انصار الرئيس السابق (دونالد ترامب) والاتهامات بتزوير الانتخابات، وانشغال الادارة الامريكية في مناطق اخرى مهمة من العالم وخاصة في بحر الصين والبرنامج النووي الايراني، والتوتر في القرن الافريقي، هذه الاحداث تعد معرقلا لأي تحرك امريكي ينطلق من اوكرانيا ضد روسيا.