الانتاجية والإصلاح الاقتصادي في العراق

      التعليقات على الانتاجية والإصلاح الاقتصادي في العراق مغلقة

د. فراس حسين الصفار

باحث في قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء

16 اذار 2022

     إنَّ من أقدم تعريفات علم الاقتصاد، هو ذلك التعريفالذي ذكره آدم سميث في كتابه ثروة الأمم، إذ قال: إنَّ علمالاقتصاد هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الوسائل، التييمكن أن تزيد ثروة الأمم. أو بمعنى آخر: هو العلم الذييبحث في الوسائل، التي تمكن الأمة من أن تغتني. ويؤكدآدم سميث في مقدمة كتابه، على أهمية العمل لكونه المصدر الحقيقي لثراء الأمم. ويقصد بالعمل هنا فعاليات الأفراد كافة على اختلافها، أو العمل بمعناه الواسع، الذي يزودهمبالحاجات الضرورية والكمالية التي يستهلكونها، سواءكانت مما ينتجونه بأنفسهم، أو ما يتبادلونه مع منتجاتالأمم الأخرى. وهكذا فإنَّ ثروة الأمة تزيد كلما زاد العمل،ولا سبيل إلى زيادة العمل إلا بالتخصص، وتقسيم العمل،وتطوير أدوات الإنتاج وآلاته. وفي حالة زيادة عدد السكانالمستهلكين، لابد من أن يزيد عدد العمال المنتجين، وهذابالطبع يتطلب زيادة رؤوس الأموال المستثمرة. فيرى أنَّ ثروةكل أمة تقاس بإنتاجيتها، وربط الإنتاجية بتقسيم العمل،وعدَّ أن التقسيم المطرد للعمل إلى وحدات أصغر وأصغر،يسهل العملية الإنتاجية، ويزيدها كمياً.

     ومن وصايا آدم سميث: ألّا يسرف الأفراد والمجتمع فيالتبذير، ويفضل عليها التعقل والحرص، كما أنَّه يميز بيننوعين من العمل: أحدهما عمل منتج، والنوع الآخر الذييحقق نفعاً ومتعة سريعين، لكنَّه لا يضيف شيئاً لمواردالمجتمع، ويدخل في ذلك عدد من أعمال الخدمات، التيتروج لها الدعاية، من دون أن يكون لها عائد حقيقي علىالمجتمع()

مفهوم الانتاجية:

الانتاجية (Productivity): مقياس لفعالية شخص أو آلة أو مصنع أو نظام في تحويل المدخلات إلى منتجات ذات قيمة. تُحسب الإنتاجية عن طريق قسمة متوسط الانتاج خلال مدة زمنية محددة، على اجمالي التكاليف أو قيمة المدخلات المستهلكة في تلك المدة، التي تشمل رأس المال والطاقة والآلات والعمال()

والإنتاجية تعبير يراد به معرفة الأداء الحقيقي لعمليات الإنتاج، على مستوی الوحدة الإنتاجية أو المنشأة أو القطاع أو الاقتصاد القومي کكل():

فعلى مستوى الوحدة الإنتاجية تقيم الإنتاجية كفاءة الأداء في هذه الوحدة، وأهم مقياس مستخدم، هو: قيمة (الإنتاج / ساعة عمل). أمَّا على مستوى المنشأة فتعد الانتاجية مؤشرًا على حسن سير الأداء فيها وكفاءته، وأهم المقاييس المستخدمة: (القيمة المضافة/عامل)، و(المبيعات/عامل)، و(الأرباح/عامل). أمَّا على المستوى القطاعي فتكون الإنتاجية مؤشرًا للمقارنة بين الأداء في القطاعات الاقتصادية المختلفة، أو بين الفروع المختلفة للقطاع الواحد.وأهم مقاييس الإنتاجية، هي: (الإنتاج الكلي، عدد عمال القطاع)، و(المبيعات أو الربحية، عدد العاملين)، و(القيمة المضافة، عدد العاملين في القطاع المعني). ويستخدم هذا المؤشر للمقارنة بين الأداء في القطاعات المختلفة، أو بين الفروع المختلفة للقطاع الواحد. ويبين هذا المؤشر مقدار مساهمة هذا القطاع أو ذاك في الناتج القومي الاجمالي.أمَّا على مستوى الاقتصاد القومي فإنَّ الإنتاجية تعني مؤشرًا للنمو الاقتصادي الحقيقي، ومن ثم مؤشرًا لمستوى المعيشة في البلد. وأهم قياس شائع في هذا المجال هو قياس الناتج القومي الإجمالي، أي إجمالي القيمة المضافةللقطاعات الاقتصادية كافة (مع استبعاد معدلات التضخم).

أهمية الإنتاجيـــــة:

1- إنتاج كميات أكبر من الوحدات المنتجة بمجهود أقلوبموارد أقل، مما يجعل السلعة أكثر قدرة على منافسةمثيلاتها في السوق.
2- تؤدي الإنتاجية إلى تخفيض أسعار بيع المنتجات،وانخفاض الأسعار يؤدي إلى زيادة الطلب وزيادةالمبيعات، ومن ثَمَّ زيادة التدفق النقدي الداخل وزيادةالأرباح.
3- يؤدي زيادة الإنتاجية في المدى القصير، إلى التخلصمن نسبة من العاملين، لكن نجاح المنشأة وتحقيقهاللأرباح، سيعملفي المدى المتوسط والطويلعلىتوسعها، وجذب المزيد من العمال العاطلين عن العمل.
4- تحقق الإنتاجية الاستخدام الأمثل للموارد النادرة ذاتالاستعمالات المتعددة.
5- تحسين مستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية الاقتصاديةوالاجتماعية للسكان.
6- الإنتاجية هي المصدر الوحيد لزيادة الثروة القومية. فالاستخدام المنتج للموارد يقلل الفاقد في الإنتاج، ومن ثَمَّ يحافظ على الموارد النادرة من الضياع.

     إنَّ الوضع الاقتصادي في العراق يعاني من غياب الاهتمام بعنصر العمل، والذي يعد من أهم عناصر الانتاج، وبالرغم من أنَّ عدد الأيدي العاملة جيدة نسبيًا، إلّا أنَّها أمّا أن تكون غير ماهرة أو غير متخصصة أو تعمل في أعمال كما وصفها ادم سميث– لا تضيف شيئًا للمجتمع، أو أنَّها تعاني من البطالة، فضلاً عن أنَّ حجم البطالة المقنعة الموجودة في الاقتصاد المحلي كبيرة، نتيجة الانتاجية المنخفضة لها.

ولتحقيق الاصلاح الاقتصادي في العراق، نحتاج إلى الاهتمام بعنصر العمل اهتمامًا كبيرا عن طريق إقامةالدورات التدريبة، وبرامج التطوير المحلية والاجنبية، وإجراء عمليات التأهيل للعاملين في القطاع العام والخاص وفق مبدأ الانتاجية، كونها تعد المعيار الافضل لقياس كفاءة الموارد البشرية، كما نحتاج إلى زيادة الموارد البشرية المنتجة في الاقتصاد، مقابل أعداد المستهلكين التي تتزايد بمعدلات مرتفعة في العراق.

طرق تحسين الإنتاجية:

عن طريق فهم العلاقة بين المخرجات والمدخلات، يمكن زيادة الإنتاجية بعدة طرق:

1- زيادة المخرجات، مع تخفيض المدخلات.
2- زيادة المخرجات باستخدام المدخلات نفسها.
3- بقاء المخرجات دون زيادة، مع تخفيض المدخلات.
4- الحصول على مستوى أقل من المخرجات، من كمية أقل بكثير من المدخلات.
5- زيادة المخرجات بنسبة أكبر من نسبة زيادة المدخلات.
6- انخفاض في مستوى المخرجات، مع انخفاض كبير في مستوى المدخلات.

أثر الاستثمارات على الإنتاجيـة:

إنَّ من أهم الطرق وأكثرها وثوقا لتعزيز النمو الاقتصادي، هي زيادة نسبة الناتج القومي المخصصة للاستثمار. ويتكون الاستثمار بالتعريف الواسع من الإنفاق الموجه نحو المستقبل بدلا من الحاضر. وقد يحدث هذا الاتفاق في القطاع الخاص أو العام، ويمكن أن يتضمن شراء الآلات الجديدة أو إنشاء المباني الصناعية، أو الطرق والجسور، أو التعليم والتدريب، أو خدمات الأفراد الذين يعملون لتطوير أساليب وأفكار جديدة. ويجب على الحكومة ألا تقوم بالاستثمار إلا لملء فجوة ناجمة عن قصور القطاع الخاص في هذا المجال، ويجب عليها أن تشجع الاستثمار الخاص، عن طريق الحوافز الضريبية، وإصلاح البيئة القانونية والمؤسسية.

تشجيع الاستثمارات ذات العائد الاجتماعي المرتفع: لا تتمتع كل مشروعات الاستثمار بالدرجة نفسها من الأهمية، إذ يحقق بعضها مكاسب كبيرة للاقتصاد القومي، ويأتي ذلك عندما تتفوق العوائد الاجتماعية للمشروعات على العوائد المالية من منظور الاستثمار الخاص، ومثل هذه المشروعات تستحق الحصول على دعم حكومي. فإذا كان الاستثمار في صناعة ما يولد آثارًا إيجابية لمشروعات أخرى، فإنَّ المنافع المتحققة في هذه الحالة سوف تكون أكبر من تلك التي يقدرها بعض الاقتصاديين، باستخدام أساليب تقليدية لقياس الآثار الطويلة الأمد للاستثمار الإضافي.
الإعفاء الضريبي الدائم للاستثمارات الموجهة لأغراضالبحث والتطوير، لإمكان تشجيع الاستثمار في ابتكارالتكنولوجيات والمنتجات الجديدة.

إنَّ الاستثمار هو المنطلق الأساسي لإحداث التنمية الاقتصادية، سواء أكان استثمارا ماليا أم في رأس المال البشري. فالأول، يقيم المشروعات الزراعية والصناعية والخدمية، والثاني، يزيد أو يحقق الإنتاجية الأعلى، التي تمكن من تحسين القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، وتزيد من المردود للاستثمار، وذلك يدعم الاستثمار في البلدويحفزه. وستزداد رفاهة الأمة عند الاعتماد على المدخرات المحلية في تمويل الاستثمار الإضافي. وبالعكس، سوف يستأثر بمعظم المكاسب الناجمة عن الاستثمار الإضافي،أصحاب رأس المال من أبناء الدول الأخرى، في حالة الاعتماد على الاستثمار الأجنبي.

أخيراً، يمكن زيادة معدل نمو الانتاجية بمقدار (0.6) نقطة مئوية، باتباع حزمة سياسات تضم تعزيز الاستثمار وتنمية رأس المال البشري، واعتماد تقنيات جديدة عن طريق اصلاحات على مستوى الشركات والاسواق.

الهوامش: