رموز الكلام في القرآن الكريم

      التعليقات على رموز الكلام في القرآن الكريم مغلقة

د. نبراس حسين مهاوش

جامعة بغداد/ كلية الإعلام

آذار / 2022

الرموز الدالة على الكلام وألفاظ القراءة متعددة في القرآن الكريم نذكر منها:

 ـ أفّ: الأف: في المعجم العربي كلمة تطلق على الشيء الوسخ، والأف: تطلق على نفخ الشيء، أو المكان الساقط عليه التراب أو غيره.

ثم تطورت دلالة هذه الكلمة إلى دلالة أخرى تدل على الانزعاج والكراهية. نحو قوله تعالى: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً[، فالله سبحانه وتعالى قد نهى عباده عن قول هذه الكلمة للوالدين، لما تدل عليه من معنى، والذي دلنا على ذلك سياق الآية الكريمة، فقد ذكر في السياق لا الناهية التي تنهى العبد عن قول هذه الكلمة،وقوله تعالى: ]وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ[ أف لكما أي كرها لكما فسياق الآية قد دلنا على معنى الكلمة.

رويّ عن الطوسي – رحمه الله – المتوفى أواخر القرن الخامس الهجري إنه قال: (روي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده أبي عبد الله – عليهم السلام – قال : لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من أف لأتى بها ) .

يتبين ان هذه الكلمة أبشع الكلمات في حق الوالدين،لما تسببه من اذى نفسي ومعنوي لهما، فالوالدان يبذلان ما بوسعهما من أجل تربية أولادهم وراحتهم. وعلى الأولاد مراعاة الوالدين وراحتهما وعدم التقصير في حقهما، وقوله تعالى: ]أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[. أي كرها وضجراً منهم لما عبدتهم من دون الله تعالى من اصنام والذي دلنا على ذلك سياق الاية الكريمة .

وذكر أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (المتوفى سنة 460 هـ) : (أف الضجر بما كان من الأمر ، وهي كلمة مبينة، لأنها وضعت وضع الصوت الخارج عن دلالة الإشارة والإفادة، فصارت كدلالة الحرف؛ لأنه يفهم المعنى بالحال المقارنة لها وبنين على الحركة لالتقاء الساكنين، إذ لا اصل لها في التمكين مستعمل فيستحق به البناء على الحركة، وكسرت على اصل الحركة لالتقاء الساكنين).

وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع . كما في الآيات المشار اليها آنفاً . ودلالتها لا تخرج عن الانزعاج والكراهية.

ولهذه اللفظة لغات عديدة ذكرتها المصادر، فقد قيل : إن لها ست لغات، بالحركات الثلاثة بغير تنوين، وبالحركات الثلاث مصحوبة بتنوين.

أما ابن جني (المتوفى عام  392 هـ ) فقد ذكر لها ثماني لغات، فقد أضاف إلى هذه الست دلالتين: أفىبالألف المقصورة، وأفْ المخففة .

أما الفيروز آبادي فقد ذكر لها اربعين لغة .

وعلى الرغم من اختلاف اللغات والدلالات فانها تدل على شيء مكروه غير محبب للنفس الإنسانية.

ـ أوه : يقال : أوه تأوه : أي تكلم كلاماً يدل على الحزن والشكوى والألم.

وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم في موضعين، كما في قوله تعالى: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ[،وقوله تعالى: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ[

في لفظة ] أواه [ اختلف المفسرون ، وعلماء اللغة، فكل مفسر يذكر دلالة تختلف عن الأخرى، ومن هذه الدلالات:

1- يطلق لقب الأواه على الشخص الذي أظهر حزنه خشية الله عزّ وجلّ .
2- تقال: للشخص الذي يكثر الأدعية، فالذي يدعو خالقه يتوسل بلفظ بعض الكلمات مثل : يا الله ، يا رحمن،يا ستار، يا معين، يا ذا العرش المجيد ... الخ، فهذه الفاظ ينطقها اللسان، فيكون الدعاء جزءاً من الكلام .
3- تقال: للمتفقه في الدين .
4- تقال: لرحيم القلب الذي يوصف برقته.
5- تقال: ( للمؤمن بلغة أهل الحبشة (

وتذكر المصادر أنَّ هذه اللفظة لها لغات عديدة، هي: ]آوتاه ، وآوه ، وأوه، وأوه ، وأوه [  هذه الدلالات واللغات يبدو انها مهما تنوعت لدى المفسرين، وعلماء العربية فهي لا تخرج في الآيتين الكريمتين عن قوله تعالى: ]ان ابراهيم لحليم اواه منيب[، وقوله تعالى: ]ان ابراهيم لأواه حليم[()عن وصف سيدنا ابراهيم عليه السلام – بأنه كثير الأيمان والخشوع لخالقه؛ وذلك لان لفظ أواه صيغة مبالغة على زنه فعال تدل على الكثرة. وحروف هذه اللفظة حروف شديدة (مجهورة) تدل على شدة ايمان العبد بخالقه.

 ـ رَمَزَ : الرمز : الإشارة والإيماء بأحد تعابير الوجه ، كحركة الشفتين ، أو اغماض احدى العينين ، أو رفع أحد الحاجبين، أو حركة الرأس أو الإشارة بأي شيء آخر.

قال الجاحظ (المتوفى سنة 255 هـ) : ] وحسن الإشارة باليد والرأس ، من تمام حسن البيان باللسان مع الذي يكون مع الاشارة من الدال والشكل [ .

فالذي يتبين من قول الجاحظ (المتوفى سنة 255 هـ) وان الإشارة باليد والرأس قد تعبر عن أشياء كثيرة ، فمثلاً رفع اليد إلى الأعلى تدل على التحية ، وحركة الرأس من الأعلى إلى الأسفل تدل على القبول ، وإلى الجانبين تدل على الرفض .. الخ فهذه الإشارات قد تعوض في بعض الأحيان عن الكلام.

وإن الافصاح باللسان قد لا يخلو احياناً من حركة اليد، أو الرأس، فهذه الحركات تؤكد بعض الدلالات في الكلام .

والإشارة في علم اللغة الحديث كما يذكر سوسير إنها تتكون من عنصرين:  

الأول : الدال Signifiant ويقصد به: مجموعة الأصوات التي يصدرها الفرد ، فهو بهذا يمثل الصورة السمعية للفرد .

الآخر : المدلول Signifie ويقصد به: الصورة الذهنية التي تتكون في مخيلة السامع عند سماع الدال .

يتبين أنّ في الإشارة لابد من توافر عنصرين مهمين، هما: الدال والمدلول. حين إن الفرد عند سماعه اللفظ يتصوره في مخيلته فتتكون الإشارة لديه .

وقيل : الرمز: وهو الصوت الخفي الصادر من فم المتكلم، فلا يدركه الا المخاطب به.

وعرفت الرموز بأنها: (الحوافز التي تحرك الصور الذهنية، ومن ثمة تنشط الأفعال لتحقيقها، فليس من الضروري ان يحضر الرمز في المساق السمعي، وليس من الصعب أن تقول الإشارات البصرية والعلامات الحسية بالوظيفة نفسها، ولكن الفرق الأساس بين الرموز عامة، والرموز اللغوية هو: اعتماد الآخر على الطابع الصوتي والسمعي)

فالرمز عبارة عن أشياء تحرك مخيلة الفرد،  وتنشطه على عملها، وقد يعتمد الرمز على الصورة السمعية فعند سماعه الأشياء يتخيلها ، فهو بهذا يتفق مع الإشارة التي تتألف من الدال والمدلول فكذلك الرمز يتكون من الحوافز، وهذه الحوافز نستطيع ان نطلق عليها لفظة الدال ، والصور الذهنية نتيجة لهذه الحوافز نستطيع ان نطلق عليها لفظة المدلول . فبهذا تكون العلاقة بين الرمز والإشارة وثيقة من هذه الناحية. الا ان وجه الخلاف بينهما هو إن الرمز قد يعتمد على الصورة البصرية، والعلامات الحسية في الرموز العامة. أما الرموز اللغوية فهي متفقة مع الأشياء .

وذكرت المصادر أن الترميز: هو العملية التي يختار فيها الملقي عدداً من الإشارات من نظام اللغة التي يتفاهم بها ويرسلها إلى المتلقي.

وهذا ما يستعمله بعض الصناع في أعمالهم فلكل مهنة اشارة يستعملها اصحابها، وكذلك الخرس فهم يتفاهمون بلغة الإشارات ويفهم بعضهم بعضاً.

وردت لفظة (رمز) في القرآن الكريم في موضع واحد كما في قوله تعالى: ]قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ[

فقد اختلف المفسرون في معنى الرمز في الآية الكريمة، فكل مفسر يذكر معنى، أو عدة معان، لكن هذه المعاني لا تخرج عن الدلالات التي ذكرتها. الا إن الألوسي قد أضاف إلى هذه المعاني معان أخر منها : حركة المسبحة ، أو الخط، والكتابة على الأرض، فالألوسي على الرغم من اتفاقه مع العلماء والمفسرين فقد اضاف معنيين هما: حركة المسبحة، والكتابة على الأرض، لكن هاتين الدلالتين لا تخرجان عن المعنى الأصلي للرمز وهو الإشارة.

ويبدو أنَّ معنى الرمز في الآية الكريمة هو اشارة الشخص، كإشارة الأخرس الذي لا يستطيع التكلم، الا ان الرامز هنا يستطيع الكلام لكن بصوت خفي لا يسمع، والذي يلاحظ عليه هو حركة الشفتين، فهذه الحركة تعبر عن كلام خفي، أو شديد الخفوت، يتضمن:- ذكر وتسبيح ، وشكر لله تعالى على ما وهبه من النعم العظيمة. فهو صامت تجاه العالم الإنساني، وكثير الكلام تجاه عالم الالوهية والتوحي