تأثير انخفاض أسعار النفط العالمية على صنع القرار الاقتصادي والسياسي في العراق

      Comments Off on تأثير انخفاض أسعار النفط العالمية على صنع القرار الاقتصادي والسياسي في العراق
news7

news7عقد مركز الدراسات الاستراتيجية التابع إلى جامعة كربلاء في يوم الثلاثاء الموافق 30 ديسمبر / كانون الأول 2014، حلقة نقاشية بعنوان (تأثير انخفاض أسعار النفط العالمية على صنع القرار الاقتصادي والسياسي في العراق)، بحضور نخبة من الأكاديميين المتخصصين

. وجرى في الحلقة النقاشية تقديم ورقتين بحثيتين: الأولى بعنوان (انهيار أسعار النفط وتداعياته على الاقتصاد العراقي)، للدكتور حيدر حسين آل طعمة، المختص بالشؤون الاقتصادية في المركز، وتطرق فيها الباحث إلى الأسباب الكامنة وراء انخفاض أسعار النفط ، والتداعيات الخطيرة لذلك على الاقتصاد العراقي. أما الورقة الأخرى فكانت بعنوان ( تأثير انخفاض أسعار النفط العالمية على صنع القرار السياسي العراقي)، للدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، وبين فيها الدكتور العرداوي أن العراق اليوم يعاني من مشاكل عدة، ولعل من أبرزها : ” الصراعات السياسية ، وتفشي الفساد المالي والإداري ، وانعدام الخدمات، ومشكلة البطالة، وسوء التخطيط في مشاريع الاعمار، والحرب على الإرهاب). وإن انخفاض أسعار النفط عالميا، يأتي ليضيف مشكلة جديدة ومحرجة لصانع القرار العراقي ، تؤثر على طريقة تعاطيه مع المشاكل الأخرى، وتستلزم اتخاذ خطوات جادة لتجاوز أزمة الموارد المالية في الخزينة العراقية بطرق علمية مدروسة ، بل واستثمار هذه الأزمة للخروج بحلول جريئة وصحيحة يتخذها صانع القرار تصب في معالجة جميع المشاكل الأساسية للدولة العراقية .

DSC 0024

وبعد عرض الورقتين، فتح مدير الجلسة باب الحوار للمختصين لمناقشة موضوع الحلقة بكافة أبعاده الاقتصادية والسياسية، لتخرج الحلقة بالنتائج والتوصيات الآتية :

النتائج:

توصل الباحثون والمختصون المشاركون إلى النتائج الآتية :

1-      إن الانخفاض المتسارع في أسعار النفط لا تقف وراءه أسباب اقتصادية خالصة – مع الأخذ بنظر الاعتبار دور العامل الاقتصادي – بل إن الأسباب السياسية هي اللاعب الأساس الذي يدفع إلى جعل الانخفاض يأخذ هذه الصورة المفاجئة للجميع ، ويقف على رأس الدوافع السياسية الصراع السعودي الأمريكي الغربي مع إيران وروسيا وحلفائهما من جهة ، ورغبة السعودية في إبقاء نفسها متحكمة بسلة أسعار النفط عالميا .

2-      إن الأسعار لن تعاود الانتعاش ، بل ربما ستتعرض إلى انتكاسات جديدة ، طالما بقيت الأسباب السياسية الكامنة ورائها على حالها ، ولاسيما ما يتعلق منها بتقليص نفوذ إيران في المنطقة وإعادة تنظيم علاقاتها مع جيرانها الخليجيين ، وحسم ملف الصراع في سوريا، وإعادة رسم المصالح الروسية – الغربية بطريقة تضمن مصالح الطرفين .

3-      إن ضغط انخفاض الأسعار على صانع القرار العراقي قد تكون له نتائج إيجابية تجعله يعيد النظر في كثير من القرارات والخطط الخاطئة التي تسببت في هدر المال العام ومنعت الدولة من تنويع مصادر دخلها .

التوصيات:

أولا : في الجانب الاقتصادي

يتطلب الأمر من صانع القرار العراقي اتخاذ الخطوات الآتية :

الإجراءات قصيرة الأمد

1-      إصلاح النظام الضريبي من خلال سن عدد من القوانين التي تسهم في توسيع الأوعية الضريبية والحد من التهرب الضريبي وتحديد أسعار جديدة للضرائب تنسجم والمقدرة التكليفية للمواطن، مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم إثقال كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فضلا على تفعيل عمل الإدارة الضريبية والقضاء على الفساد المستشري فيها منذ عقود. يذكر أن نسبة مساهمة الضرائب في الموازنة لا تتعدى (2%)، في حين تفوق نسبة مساهمة الإيرادات الضريبية في بلد مثل النرويج ما يفوق (60%).

2-      إعادة هيكلة الصناعات المملوكة للدولة والتحول التدريجي نحو القطاع الخاص، إذ تكشف الموازنات العامة السابقة أن دعم وتمويل هذه الصناعات لم يحسّن من أدائها الاقتصادي، فما زالت أغلب المشروعات العامة غارقة في الخسائر، وأن ما تضيفه للحكومة من إيراد أقل بكثير مما تخصصه الحكومة لها من رواتب وأجور ودعم، مما يتطلب إيقاف عمل هذه المشروعات وإعادة هيكلتها.

3-      ضغط النفقات التشغيلية عن طريق ترشيد المصروفات غير الضرورية التي تكلف الموازنة مبالغ طائلة، من نحو تكاليف التأثيث والسفر (إيفادات المسؤولين) وشراء السيارات الفارهة ، والعمل على تقليص جيوش الحمايات والموظفين للرئاسات الثلاث، وخفض رواتب ومخصصات الدرجات العليا .

4-      تشديد الرقابة في كافة دوائر ووزارات الدولة للحد من الفساد وكشف المشاريع الوهمية التي تكلف الدولة سنويا مليارات الدولارات، فضلاً عن إجراء مسح شامل للتحقق من الفضائيين والوهميين .

5-      تعبئة مدخرات القطاع العائلي عن طريق إصدار سندات بفئات صغيرة وبأسعار فائدة مغرية تحفز الأفراد على الاكتتاب، وهذا الإجراء من شأنه توفير أموال لا بأس بها للحكومة، فضلاً عن تقليص الاستهلاك الغير الضروري والترفي الذي بات يشكل ثقافة لدى المستهلك العراقي .

الإجراءات طويلة الأمد

1- إنشاء صندوق سيادي لثروة العراق يعمل كمصدٍ مالي وكضمان للأجيال القادمة عن طريق ادّخار جزء من الإيرادات النفطية واستثمار هذه المدخرات في محفظة مالية متنوعة. يُذكر أن السعودية تملك واقيات على صعيد المالية العامة لتعويض تأثير أي عجز محلي محتمل بسبب هبوط أسعار النفط، إذ تقدر احتياطاتها المالية بـ (740) مليار دولار، تعمل في الغالب على تعويض بعض الآثار السلبية لأسعار النفط المنخفضة جداً.

2- تنشيط القطاع السياحي للبلد والاستفادة من السياحة الدينية في رفد وتمويل الموازنة العامة بالعملة الأجنبية، إذ يقدر عدد السواح الوافدين إلى العراق خلال العام 2014، قرابة (10) مليون سائح .

3- زيادة الإنتاج النفطي وإعادة النظر في الخطط الإنتاجية المبرمة بين الحكومة والشركات الأجنبية المستثمرة.

4- إيقاف هدر الغاز الطبيعي عبر التعاقد مع شركات عالمية مختصة، مما يوفر للعراق مصدرا مهما للإيراد عبر تصديره، ويحد من استيراد الغاز من دول الجوار.

5- ترشيق الحكومة عبر إعادة هيكلة ودمج الوزارات والدوائر الحكومية بما يتلاءم والحاجة الفعلية لها.

6- العمل على استرجاع كافة الأموال المحجوزة في مختلف بلدان العالم عبر تنشيط عمل سفراء العراق في هذه البلدان .

7- التحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص عبر خصخصة المشاريع العامة التي تكبد الموازنة مبالغ طائلة دون تحقيق أي عائد يذكر .

8- تنشيط القطاعات الإنتاجية (خصوصاً الزراعة والصناعات البتروكيمياوية)، والنهوض بها؛ من أجل تنويع الاقتصاد العراقي وتخليصه من الاختلال الهيكلي الذي سببه الاعتماد المزمن على النفط .

ثانيا : في الجانب السياسي

يتطلب الأمر من صانع القرار العراقي اتخاذ الآتي :

1-      ترشيد الصراعات السياسية بين الشركاء في العملية السياسية، ليكون سلوك النخبة نابعا من الحرص على المصلحة الوطنية ، والوصول إلى نتيجة لا تكون فيها مصالح النخبة الضيقة منبعا لدعوات تزيد الأمر سوءا من قبيل تقسيم العراق واستغلال وضع الحكومة الاتحادية الحرج لفرض شروط جديدة لا يمكن التفاوض بشأنها.

2-      تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة لمؤسسات الدولة كافة؛ من أجل محاربة الفساد المالي والإداري الذي تسبب بضياع معظم موارد البلاد ، والحرص على استعادة الأموال المسروقة من خزينة الدولة بطرق قانونية ومحاسبية عملية .

3-      زيادة الوعي الشعبي بحجم الأزمة المالية وخطورتها ، وما يجب على عموم الشعب معرفته والعمل به .

4-      تعزيز الثقة بين صانع القرار وقاعدته الشعبية ؛ من أجل أن تكون قراراته الصادرة في ظل الأزمة محل تقدير من الناس ، وخلق شعور متبادل بضرورة العمل معا على تلافي الخطر الذي يسببه انخفاض الأسعار .

5-      تحويل مزيد من الصلاحيات والمسؤوليات من الحكومة الاتحادية إلى الحكومات المحلية؛ لإشراك الأخيرة بشكل مؤثر في إدارة مواردها الاقتصادية ، وخلق فرصها الاقتصادية المناسبة ، وترتيب أولوياتها .

6-      استثمار التوافق السياسي الموجود بين الكتل في الوقت الحاضر؛ لإيجاد برنامج اقتصادي متكامل يحقق الفاعلية للاقتصاد العراقي.

7-      إن التقشف الاقتصادي يجب أن لا يؤثر على خطة الدولة في مواجهة الإرهاب ؛ لأن أي نقص في تمويل هذه الخطة سيجعل المبادرة بيد القوى الإرهابية على حساب قوة الدولة ، كما لا يمكن استنفاد موارد الدولة في خطة محاربة الإرهاب بشكل يؤثر على المصالح الشعبية . وفي ظل هذه المعادلة الصعبة من المفيد أن يعمل صانع القرار العراقي على إيجاد صندوق دولي لمحاربة الإرهاب في العراق ، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها قوى الإرهاب ، تشارك فيه الدول الإقليمية الفاعلة كالسعودية وإيران وتركيا ودول الخليج ، والقوى الدولية الكبرى كأوروبا واليابان والولايات المتحدة وكندا ، ويدار بإشراف مشترك من الأمم المتحدة والحكومة العراقية.

8-      إعادة النظر في سياسة العراق الخارجية ؛ ليكون صانع القرار العراقي بمنأى عن تقاطع المصالح الحرج بين القوى الإقليمية والدولية ، وليلعب دورا فاعلا في انفراج الأزمات الإقليمية والدولية بشكل يخدم السلم والأمن الدوليين .

9-      يتطلب الحفاظ على وحدة العراق وتجاوز أزماته الخطيرة، ومن بينها أزمة أسعار النفط المتداعية ، وبناء العلاقة بين المكونات على أساس وحدة المصالح لا على الاستئثار بالسلطة والإكراه في الوجود .

10-  أخيرا، يشكل العدد الكبير لأعضاء السلطة التشريعية العراقية، والعدد الكبير لوزارات الدولة ، وضخامة الامتيازات والمخصصات للمسؤولين الكبار عامل هدر في ثروة العراق الحالية والمستقبلية ، مما يتطلب من صانع القرار في البلد اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لمعالجة هذا الخلل تصب في المصلحة العليا للعراق.DSC 0021

 

DSC 0013