السلطة القضائية وخطوات الحكومة العراقية في الإصلاح

      Comments Off on السلطة القضائية وخطوات الحكومة العراقية في الإصلاح

د. حسين أحمد السرحان

مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء

آب/2015

منذ 31/ تموز/2015 بدأت المطالبات الشعبية في أغلب المحافظات العراقية بضرورة إدراك حقيقة أن البلد يسير نحو منحدر خطير ولاسيما مع تصاعد

الأزمات الأمنية والاقتصادية ونقص الخدمات بشكل خاص بفعل انتشار الفساد. وزاد صخب تلك المظاهرات بعد الموقف الإيجابي للمرجعية الدينية، فضلا عما أورده السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في خطابه عقب انطلاق التظاهرات بأن الفساد راسخ في مؤسسات الدولة وذكر بعض المراحل المرعبة التي وصل اليها، مؤكدا على ضرورة الإصلاح السياسي والإداري. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تنامي الوعي الجماهيري بأهمية الرقابة الشعبية على أداء مؤسسات الدولة. وتصاعدت المطالب باتجاه وجوب الإصلاح في النظام السياسي والقضاء على ترهل مؤسساته.  

تعاملت السطة التنفيذية بإيجابية مع التظاهرات ابتداءاً من خطاب السيدر رئيس مجلس الوزراء وترحيبه بتلك المظاهرات وتأييده لها، ومساندة السلطة التشريعية (مجلس النواب) لخطوات الإصلاح وتصديقها على حزمة الإصلاح الحكومي التي تقدمت بها الحكومة، والتي تتضمن   إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء وتخفيض الحمايات وغيرها من الخطوات التي تصب في خدمة محاربة الفساد والقضاء على الترهل الإداري وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهذا الموقف من السلطتين التنفيذية والتشريعية جيد ويحتاج إلى تعزيز من خلال التطبيق الحقيقي لبنود حزم الإصلاح .

أما بالنسبة للسلطة القضائية – وهي موضوع نقاشنا – فنرى وجوب تنامي دورها في تعزيز واستكمال هذه الإصلاحات، فهي مطالبة بأن يكون لها دور مختلف تماما عن دورها السابق والذي أقل ما يوصف بأنه دور سلبي في تعاملها مع قضايا الفساد المرفوعة لها من هيئة النزاهة “المستقلة” ولجنة النزاهة البرلمانية، وأن يكون دورها الجديد موازياً لكل خطوة من خطوات الإصلاح التي ستنتهجها السلطات التنفيذية وربما التشريعية، وأن تستند في عملها إلى مبدأ  تكون فيه السلطة القضائية خارج تغطية الأجندات السياسية وبعيدة عن فكرة المحاصصة السياسية؛ لأن العمل القضائي فوق الانتماءات، وانتماؤه الحقيقي لعقيدة العدالة التي تتجلى في التطبيق السليم للنص القانوني، وأن تسير وفق ما جاء به الدستور العراقي الدائم لعام 2015، فقد جاء في بنود الدستور ما يأتي:

– نص المادة (14): (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي).

– وتتمتع السلطة القضائية في العراق باستقلالية كبيرة كما جاء في المادة (19) – أولاً: (القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون). فالنظام السياسي في العراق قائم على مبدأ فصل السلطات المادة 47: )تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات).

ومن المتوقع أن تشهد دوائر المدعي العام دعاوى كثيرة في الأيام القادمة تتعلق بقضايا فساد ضد موظفين في مختلف مؤسسات الدولة، وعلى مؤسسات السلطة القضائية أن تتعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية وبنفس الأهمية ودون تمييز بين المدعين أو بين القضايا، كما جاء في المادة (19) – سادسا: (لكل فرد الحق في أن يعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية)؛ لذا لابد للسلطة القضائية أن تقوم بدورها وتثبت أنها بعيدة عن تدخل القيادات الحزبية والأحزاب في عملها، إذ ستؤول الأمور لتصل ملفات الفساد إلى مؤسسات السلطة القضائية وستكون الكرة في ملعبها، وهنا لابد من إثبات أنها بعيده عن التدخل وأنها مواكبة لإجراءات الإصلاح.

أما إذا لم تعمل السلطة القضائية على مواكبة جهود الإصلاحات، فسيتصاعد الرفض الشعبي وسيقول كلمته في ضرورة تغيير شخوصها، وعليه فمن الأفضل أن يقوم  رئيس السلطة القضائية بترشيح قضاة معروفين بكفاءتهم وإخلاصهم لبلدهم ومدركين لضرورات المرحلة وفق المادة (91) – ثانيا: (ترشيح رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي وعرضها على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم)، والمادة (61 – خامساً / أ) فيما يخص صلاحيات مجلس النواب (الموافقة على تعيين كل من: أ ـ رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي بالأغلبية المطلقة، بناءً على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى). ومن خلال تكامل الأدوار الإصلاحية بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، يمكن لطريق بناء الدولة العراقية أن يصحح مساره ويتخلص من كل العيوب والثغرات والمشاكل التي رافقته منذ 9/4/2003 إلى الوقت الحاضر.