النجاح الروسي في الشرق الأوسط

      Comments Off on النجاح الروسي في الشرق الأوسط

الكاتب: شلومو بن عامي

ترجمة وعرض: م.م. حسين باسم عبد الأمير

الناشر: بروجيكت سنديكيت

بتاريخ: 12 نيسان/ابريل/2016

يستهل الكاتب مقاله المثير بالإشارة الى توسط روسيا مرة أخرى في لعبة الشرق الأوسط الجيواستراتيجية، بعد سنوات من بقائها على الهامش. وفي ظل سياسة مبهمة للولايات المتحدة الأمريكية، يُعدّ التدخل الروسي المحسوب بدقة في الحرب الأهلية السورية حالة نادرة تم خلالها الاستخدام المحدود للقوة، في المنطقة وهو ما أسفر عن هزة دبلوماسية كبير.

في مقابلة أجراها مؤخرا مع جيفري غولدبرغ، كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما أفكاره تجاه عدد من المناطق الرئيسية للسياسة الخارجية، لا سيما حيال الشرق الأوسط. وقد تجاهل بسخرية كل من حلفائه الأوروبيين ومستشاريه الأمنيين، بمن فيهم وزير الخارجية السابق هيلاري كلينتون، ممن دعموا التدخل العسكري في سوريا، حيث يعتقد أوباما بأن تناثر اللحوم المفرومة هي مسألة قدرية بالنسبة لهذه المنطقة المضطربة.

ووفقا لأوباما، ليس هناك سوى القليل -إذا كان هناك شيء- تستطيع أمريكا فعله لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. بل وقد ادعى بأنه فخور بعدم فرض “الخط الأحمر” الذي كان قد وضعه في عام 2012 بشأن استخدام الرئيس السوري بشار الأسد للأسلحة الكيماوية، طلاما لم يُمرر القانون الدولي ولا أن الكونجرس الأمريكي تلك العقوبات. كما وأكد أوباما بأن هذا الأتفاق مكن بالتعاون مع روسيا القيام بنزع معظم المخزون من الأسلحة الكيميائية السورية.

ثم يتحول الكاتب ليلفت الانتباه الى غوالدبرغ الذي أشار الى ان قرار عدم فرض عقوبات تجاه تجاوز الخطوط الحمراء واستخدام الضربات الجوية كان قد تسبب في ان ينفلت الشرق الأوسط من قبضة أمريكا. وبالفعل، فقد فقدت أمريكا الأصول الاستراتيجية الهامة في الشرق الأوسط للقوى غير الصديقة من روسيا إلى الدولة الإسلامية (داعش). أضف إلى ذلك الإنصراف عن الحلفاء المقربين، وهو ما يثير لديهم الكثير من الشك حيال قدرة ورغبة الولايات المتحدة المُهتمة في آسيا في استعدادها لاستمرار الوقوف إلى جانبهم، كما أن إقتراح أوباما في أن لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز على منطقة الشرق الأوسط لم يكُن سوى أمر مروع.

ثم يعود الكاتب ليستطرد قائلا، وبطبيعة الحال، فقد كان الدافع الأساسي لإحجام أوباما من الانخراط في الشرق الأوسط هو الخوف من تكرار الأخطاء التي خلّفها إنغماس الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، النتيجة التي وصفها أوباما بعدم تعقُّل الحكومة الأمريكية و”الانجرار تجاه الحرب في بلاد المسلمين“. في الواقع، وبعيدا عن تحقق توقعات أوباما المتشائمة، إلّا أن العملية العسكرية الروسية داخل سوريا قد تساعد في دفع التسوية السياسية الى الامام.

ومن خلال رفض الانجرار إلى حرب مكلفةوطويلة الأمد ومن أجل إتاحة الفرصة الأسد لاستعادة معظم أراضي سوريا، أنشأ بوتين -بشكل فعال- طريق مسدود، الأمر الذي يفرض على كل من النظام والمعارضة ويرغمهم على الانخراط بجدية في محادثات السلام في جنيف. في هذا المعنى، يقول منذر ماخوس، المتحدث باسم المعارضة السورية، إن قرار روسيا بالانسحاب “غير الوضع برمته“.

ما يمكن أن يبدو كتسوية سياسية كأنه خيار واحد، وهو ان تدافع روسيا عن نظام حكم فيدرالي. في الواقع، إن تقسيمات الأراضي السورية التي تركها الروس خلفهم يمكن أن تشكل أساس واحد. العلويين والأسد يمكنهم السيطرة على أراضيهم في الغرب، والممتدة من اللاذقية شمالا إلى دمشق في الجنوب، ويمكن إنشاء منطقة حكم ذاتي سوري يحكمه الأكراد في شمال شرق البلاد، وتترك بقية البلاد للمعارضة السنية.

ما يزال السلام ليس قاب قوسين أو أدنى، طالما ان كل من إيران والمملكة العربية السعودية، مع وكلائهم على الأرض، مايزالون على خلاف بشأن كيفية حل النزاع؛ وكذلك استمرار تركيا في حربها ضد الأكراد. وهكذا تبقى المعارضة السنية مستعدة لتقديم تنازلات، ولكن فيما لو سعى الأسد لاسترداد حلب، فان المتمردين السنة بالتأكيد سوف يكسروا حالة وقف إطلاق النار ويتم تفجير العملية السياسية برمتها.

وهنا يؤكد الكاتب مسألة مهمة قائلاً، وحتى لو لم يتم التوصل الى تسوية سياسية، فإن إنجازات بوتين الاستراتيجية جديرة بالملاحظة. فقد أنقذت العملية العسكرية الروسية حليفها الأسد من الهزيمة، كما وتمكنت من تأمين قاعدتها الجوية في اللاذقية وكذلك وجودها البحري وفي طرطوس. إذ أن هذه المعاقل تتيح للروس تحدي سيطرة الولايات المتحدة والناتو في شرق البحر المتوسط.

وخلاصة القول ان روسيا قد عززت موقعها كقوة لا يستهان بها في منطقة الشرق الأوسط. ومع مجارات الولايات المتحدة للوجود الروسي في الصراع السوري منذ بداية الأزمة على أسلحة الأسد الكيماوية، فإن قادة الشرق الأوسط يتجهون الآن إلى موسكو، وليس واشنطن، من أجل صيانة مصالحهم. فهاهو الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود سوف يقوم بزيارة الكرملين خلال الشهر الجاري لبحث التعاون الاقتصادي بمليارات الدولارات. أما بالنسبة لإيران، خصم المملكة العربية السعودية اللدود، فإن علي أكبر ولايتي -كبير مستشاري آية الله علي خامنئي- كان في موسكو في فبراير شباط.

من جانبها إسرائيل، فقد واجهت خطر أزمة دبلوماسية مع استراليا خلال الشهر الماضي عندما ألغى فجأة الرئيس رؤوفين ريفلين زيارة رسمية كان يفترض ان يقوم بها الى استراليا، والذي بدلا من ذلك توجه إلى موسكو لعقد اجتماع عاجل مع بوتين. (وقد حدث هذا فقط بعد إلغاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اجتماع مزمع مع اوباما في واشنطن، حتى من دون أن يكلف نفسه عناء الإبلاغ رسميا للبيت الأبيض).

وكذلك بالنسبة لإسرائيل، فقد كانت الحملة العسكرية الروسية نعمة، لأنها سوف تمنع محور (ايران-حزب الله-الأسد) من فرض نتيجة الصراع السوري. وبعد التنسيق الكامل مع الروس على الجبهة السورية، تتوقع إسرائيل الآن من بوتين العمل على إبقاء القوات الإيرانية بعيدا عن تخومها في هضبة الجولان، والمساعدة على جلب مراقبي الأمم المتحدة إلى المنطقة.

ويختتم الكاتب مقاله موضحا “من المؤكد أن بوتين ليس في وضع يتيح له عودة أيام إمبراطورية الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط، على الأقل لأن قدرة روسيا في الحفاظ على عملية عسكرية خارج حدودها ما تزال محدودة للغاية. ولكن استخدامه الذكي للقوة الصلبة لتحقيق أهداف ممكنة ومحددة في سوريا جعلت روسيا نقطة محورية للفاعلين الرئيسيين في الشرق الأوسط، وهو ما خلق تحد جغرافي وسياسي خطير بالنسبة للولايات المتحدة. وبات من الواضح بأن الرئيس الأميركي المقبل سوف يكون مضطرا إلى إعادة التفكير في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط”.

شلومو بن عامي هو وزير خارجية إسرائيل الأسبق، ونائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام. وهو مؤلف “ندوب الحرب وجراح السلام: المأساة الإسرائيلية العربية”.

 

https://www.project-syndicate.org/commentary/russia-syria-intervention-success-by-shlomo-ben-ami-2016-04