ثورة مقتدى الصدر

      Comments Off on ثورة مقتدى الصدر

جان عراف JANE ARRAF

الفورن بولسي (Foreign Policy)

5 أيار/مايو 2016

ترجمة: نور حسين الرشدي/ماجستير جغرافية سياسية.

مراجعة وعرض: م. م. حسين باسم عبد الأمير

 

بعد اقتحام أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المنطقة الخضراء مطالبين بإنهاء أوضاع الفساد الراهنة، هل سيتمكنون من تحقيق أهدافهم من دون انزلاق العراق إلى حالة من الفوضى؟

 

فمنذ مدة طويلة أوقد مقتدى الصدر شرارة الاضطرابات في العراق، وذلك بعد أن أمر أتباعه لقتال القوات الأمريكية في العام 2004، حيث كان ذلك هو التحدي الأعظم للولايات المتحدة في العراق منذ الإطاحة بصدام حسين. وبعد انقضاء أكثر من عقد من الزمن تمكن الصدر من جَرّ المؤسسة السياسية برمّتها في العراق إلى أزمة يخشى البعض من أنها سوف تصل بالبلاد إلى حافة الهاوية. إذ إن الأميال من الجدران الكونكريتية التي تحمي المنطقة الخضراء في بغداد والتي ترمز إلى ديمومة الاحتلال الأمريكي في العراق، تعرضت مؤخرا إلى موجة من المتظاهرين، ومعظمهم من الموالين للصدر. حيث تمكنت مجموعة كبيرة منهم من إسقاط الجدران الكونكريتية واقتحام مبنى البرلمان. وقد انهال البعض من المتظاهرين بالضرب على عدد من أعضاء البرلمان وكسروا الأثاث وفرّ نواب آخرون للنجاة بحياتهم.

إن قوات الأمن في العراق ذات الغالبية الشيعية – التي لم توجه لهم الأوامر باستخدام القوة – لم تتدخل لإيقاف المتظاهرين ومنعهم من اقتحام بوابات المنطقة الخضراء.

إن الأزمة السياسية زعزعت أسس نظام الحكم الذي قام على تقسيم الوزارات الحكومية بين الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية، وهو ما أدى إلى استشراء الفساد فيها. ومن تداعيات الأزمة السياسية، استثارة التنافس بين الفصائل الشيعية المسلحة، وهو ما دقّ ناقوس الخطر في إيران المجاورة.

إن الصدر الذي لم يعرف عنه العالم الخارجي إلّا القليل قبل العام 2003، ومع ذلك فإنه كان يحظى بمكانه مرموقة – تصل إلى حد التبجيل – بين أتباع والده آية الله العظمى “محمد صادق الصدر” الذي اغتاله صدام في تسعينات القرن المنصرم. ثم برز اسم الصدر من خلال الحرب التي نشبت مع بداية استهداف فصائل الشبان الفقراء المتسلحين بالبنادق ضد الدبابات الأمريكية في شوارع بغداد، النجف، كربلاء، والبصرة. إن “جيش المهدي” التابع للصدر كان قد خاض مواجهات مسلحة مع القوات العراقية خلال العام 2008. ومع تدخل القوات الأمريكية لمساندة القوات العراقية في البصرة، وافق الصدر على وقف إطلاق النار، ثم قام “بإعادة تكوين للذات” في وقت لاحق، فانتهى به المطاف إلى لاعب سياسي رئيسي.

في الواقع، إذا كان ظهور الصدر في وقت مبكر من سنوات ما بعد حرب العام 2003 كشخصية “منقذ سيادة العراق”، فإنه أيضا تمكن في السنوات الأخيرة من تعزيز مكانته ليظهر بشخصية “العراقي الوطني” المُستعد للوصول إلى السُنّة والأقليات العراقية الأخرى، فضلا عن باقي الدول.

وقبل بضعة أشهر بدا الصدر وكأنه يتعرض لخطر تحجيم دوره كقوة سياسية من قبل أطراف شيعية لها دور في المعارك الرئيسة ضد تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”)، وهذا ما قد يؤدي إلى تقويض تأييده بين السكان الشيعة. ولكن على مدار العام الماضي، فقد برز مرة أخرى على الساحة الوطنية من خلال تنظيم احتجاجات واسعة للضغط من أجل تحقيق الإصلاح الحكومي.

ومع القيام بذلك، فقد أثبت الصدر بأن قواته ما تزال تشكل تحديا للحكومة العراقية. كما أنه ربما أضعف من مزاعمه في أن يكون بموقع القيادة ويسيطر على سلوك أتباعه. فبينما هدد الصدر ومنذ مدة طويلة باقتحام أتباعه للمنطقة الخضراء، كما فعلوا في نهاية الأسبوع الماضي، إلّا أن النتائج التي رافقت ذلك وقوع حالات من الاعتداء بالضرب على بعض البرلمانيين بما فيهم نائب كردي وأيضا نائب شيعي بارز، وهكذا لم يكُن الاحتجاج سلميا كما كان يدعو له. وفي تلك الأثناء، صرح “ضياء الأسدي” (رئيس كتلة الأحرار – الجناح السياسي للتيار الصدري): “لم يكن هذا الاقتحام هو الذي كان الصدر يعتزم حدوثه”. وفي الوقتنفسه، فقد حمّل مسؤولو التيار الصدري مسؤلية أعمال العنف إلى أفراد ينتمون إلى جماعات شيعية أخرى. كما وذكر الصدر من أنه يخشى من سعي حلفاء الأمس إلى التخطيط لاغتياله.

وبعد فوضى البرلمان يوم السبت، ظهر مقاتلون من قوات بدر وعصائب أهل الحق وكذلك قوات موالية للصدرعلى الفور لمساندة القوات الأمنية العراقية في نقاط التفتيش في بغداد، بما فيها المنطقة الخضراء، وانتشر مقاتلو الفصائل المسلحة في أحياء بغداد، كما أن بعض تلك الفصائل سحبوا مقاتليهم من خطوط المعارك الأمامية مع “داعش” باتجاه العاصمة.

ثم عرّج الكاتب إلى نقطة مهمة، حيث استشهد بتصريح جانبي لأحد المسؤلين العراقيين الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إذ قال: “لقد أحضرت كل مجموعة أفرادها المُسلحين، وهنا يكمُن خطر المواجهة الشيعية – الشيعية“. كما وأضاف مسؤولون عراقيون كبار أن القوات العراقية لم تصدر أي أوامر لوقف المتظاهرين. وعندما سار الصدر باتجاه المنطقة الخضراء لأول مرة في نيسان، أقدم جنرال في الجيش العراقي (وهو المسؤول عن أمن المنطقة الخضراء) على تقبيل يده كشكل من أشكال الطاعة.

ويقول بعض شهود العيان أن المركبات التي تحمل أعلام الجناح العسكري للتيار الصدري كانت متوقفة خارج بناية البرلمان، في إشارة إلى أن اقتحام المبنى ربما كان أكثر تنظيماً من مجرد تدفق عفوي يعبر عن حالة الغضب والامتعاض كما تم تصويره من قبل الصدريين. مهما يكن، فقد أخذت المؤامرات تحاك فيما وراء الكواليس. فهنالك دعم شعبي ملحوظ لتغيير حالة الركود والفساد في الأوضاع السياسية الراهنة في العراق. إن مشاهد تراشق أعضاء البرلمان اللكمات وزجاجات المياه على بعظهم البعض في نيسان عبر شاشات التلفاز المحلية يُظهر الجزء الأكثر وضوحاً لهشاشة النظام. وهكذا، باتت المنطقة الخضراء تُمثل رمزاً للفساد والانحلال بالنسبة لغالبية العراقيين. فبعد الغزو الأمريكي عام 2003 تم توسيع المنطقة الواقعة ما وراء المجمع الأصلي لقصور صدام. معظم الشباب العراقيين لم يشاهدوا أبداً شوارعها الواسعة والفارغة التي تكتنفها الحدائق العامة، حيث كان موقعا مفضلا للتجمع في السابق “أي قبل العام 2003”. لقد كان في الأحلام فقط ممكن للأفراد العاديين مشاهدة البُحيرات والديكورات والمساحات الخضراء المشذبة التي تحيط بمنازل السياسيين أو حتى داخل برلمانهم، وهذا ما دفع بأحد المُحتجين للهتاف بعد سقوط البوابات قائلا: “هذا هو أعظم يوم في حياتي”.

ومع ذلك، فقد كانت “طهران” من بين العديد من العواصم التي تراقب بقلق بالغ إزاء احتمالية القتال الشيعي الداخلي. إذ تخشى إيران من تأثير الخلافات داخل صفوف الشيعة في المعركة ضد الدولة الإسلامية.

فقد ذكر المسؤولين الإيرانيين أن قلقهم البالغ ناجم عن تعرض إيران للإساءة بشكل خاص جرّاء هتافات “فلتخرج إيران” من قبل بعض المتظاهرين إلى جانب احتمالية نشوب القتال الشيعي الداخلي.

وفي هذا الصدد، فقد أدان المسؤولون الصدريون علناً هذه الهتافات، وهنالك اعتقاد كبير بأن الصدر استدعي من قبل إيران لتفسير هذا الانهيار، وتم ذلك بالتزامن مع إعلان الصدر قبل أن يتم اقتحام المنطقة الخضراء عن اعتزاله لمدة شهرين والتفرغ فقط للرياضة الروحية (الاعتكاف وممارسة الأمور العبادية). وهذه ليست المرة الأولى التي يتوارى فيها عن الأنظار، حيث أنه غادر إلى إيران بعد أن تم إزاحة قواته من البصرة في العام 2008، وكذلك وسط فضائح بشأن فساد السياسين التابعين للتيار الصدري، حيث أعلن في العام 2014 عن انسحابه من الحياة السياسية.

وفي هذا الشأن يستشهد الكاتب بأحد المحللين في بغداد والذي رفض أيضا الكشف عن اسمه قائلا: “فإذا نظرنا إلى الأسلوب الذي جرى خلال السنوات الست أو السبعة الماضية، نشاهد بأنه في كل مرة يخرج فيها عن الخط، يحصل على دعوة إلى إيران ويذهب بهدوء”.

وعلى الرغم من دراسة الصدر لعدة سنوات في إيران إلا إنه ليس من بين كبار رجال الدين في العراق، كما ولم يلاق التقدير الذي يتناسب مع إرثه الديني، فهو ابن رجل الدين الشيعي الكبير الذي اغتاله صدام، ولديه الملايين من الأتباع وكلمته تعتبر هي القانون لديهم. ومن جانب آخر، على الرغم من ندرة ظهور الصدر شخصياً، إلا أنه ظهر يوم الثلاثاء في ساحة التحرير – التي يرمز اسمها لثورة عام 1958 الدامية التي أطاحت بالحكم الملكي – حيث كان مع القليل من أتباعه الذين كانوا على استعداد للموت من أجله، كما كانوا بانتظار توجيهاته، ونصب المتظاهرون الخيام في الساحة من أجل الاعتصام، وكان من المقرر أن ينظم تظاهرة كبيرة الجمعة تحت النصب التذكاري الذي يصور نضال العراقيين من أجل الحرية. وهكذا أوضح أحد المتظاهرين “صلاح محمد” البالغ من العمر 35 عاما، وهو موظف حكومي: “أنا أتبع أوامر سيد مقتدى، ولن أغادر حتى لو كلفني ذلك حياتي هنا”، وبيّن صلاح محمد أنه من بين المتظاهرين الذين اقتحموا البرلمان قائلا: “أردنا أن نسأل النواب، ما الذي قدمتموه للبلد؟”. ثم أضاف قائلا أيضا: “كان الدرس الأول هو أخبارهم (أي النواب) بأن ليس لهم مكان في الحكومة، وإن الدرس القادم سيكون أكثر صعوبة لهم”.

وعلى الرغم من أن أغلب قاعدة أنصار الصدر تتشكل من الفقراء والعاطلين عن العمل، إلّا أنها أيضا تتعدى ذلك لتشمل المثقفين العراقيين الذين يؤمنون برسالته المنادية بالمساواة والعدالة الاجتماعية. فقد قال أحد المتظاهرين: “لقد بات الناس المتعلمون يجوبون الشوارع لبيع المناديل في التقاطعات”. كما وأضافت أُمٌ عزباء ذات خلفية تعليمية جامعية: “إن أطفالنا لا يحصلون على التعليم المناسب، والفقراء يموتون لأنهم لا يملكون المال لدفع العلاج الطبي”.

وقد بدأت التظاهرات في العام الماضي وعلى نطاق واسع لمطالبة الحكومة بتحسين الخدمات ووضع حد للفساد الذي ينظر إليه بعض العراقيين كتهديد أكبر من تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد أعلن آية الله علي السيستاني “رجل الدين الشيعي الأكثر احتراما في العراق” عن تأييده للتظاهرات، وأعطى تفويضا لرئيس الوزراء حيدر العبادي للقيام بإصلاحات جذرية ولكن من دون الاتكاء على حزب الدعوة الذي ينتمي إليه أو على الأطراف السياسية الأخرى، وذلك من أجل دفع الإصلاحات المقترحة من خلال البرلمان، إلا أنها قد تعثرت. وعلى الرغم من توجيه الاتهام إلى بعض المسؤولين في المناصب الصغيرة بالفساد، إلّا أنه لم يتم توجيه الاتهام لأي من الشخصيات السياسية الكبيرة.

الصدر ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي هما الشخصيتان الرئيستان في أزمة العراق السياسية الحالية، على الرغم من عدم تولي أي منهما حاليا لأي منصب سياسي رسمي. هما الخصمان اللدودان اللذان خاضت قواتهما في الماضي معارك ضد بعضهما البعض في بغداد والبصرة.

إن سحب الصدر لوزرائه من الحكومة أتاح للعبادي فرصة المضي قدماً في تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة يتم تنصيب الوزراء فيها تبعا لكفاءتهم وليس على أساس ولائهم للكتل السياسية. غير أن الموالين للمالكي رفضوا التصويت على الكابينه الجديدة في الجلسه البرلمانية الأعتيادية، وبدلاً من ذلك فقد نظّموا اعتصاما في نيسان وطالبوا بعقد جلسة خاصة مع رئيس جديد للبرلمان والتصويت على الحكومة الجديدة، وفي نهاية المطاف على رئيس جديد للوزراء. وقال المالكي الذي خسر منصبه كنائب لرئيس الجمهورية – بعدما ألغى العبادي هذه المناصب في العام الماضي – إنه لن يسعى للعودة للسلطة. أما البرلمان، فقد وافق على خمسة وزراء جدد فقط في الأسبوع الذي سبق اقتحام المتظاهرين لبوابات المنطقة الخضراء.

النواب الكُرد في البرلمان هم فقط من انتفضوا وبشدة بسبب الاعتداءات على بعضهم، ثم غادروا بشكل جماعي خلال الأسبوع التالي لاقتحام البرلمان، ويبدو مرجحا أن عودتهم سوف تكون مشروطة بالمطالبة بمزيد من السلطة السياسية وتقاسم أكبر للعائدات.

ويشير الكاتب في نهاية مقاله إلى أنه وسط هذه الفوضى السياسية، واستحالة إجراء انتخابات جديدة، في الوقت الذي يسيطر فيه تنظيم “الدولة الإسلامية” على أجزاء ومساحات من البلاد، على بعض السياسيين إقامة حكومة طوارئ “حكومة إنقاذ وطني” بدلاً من الحكومه الحالية.

وقد استشهد الكاتب بما ذكره مسؤول عراقي رفيع المستوى، حيث قال: إن مساعي إصلاح “الكابينة الوزارية” ما تزال جارية، غير أن إقامة حكومة “الإنقاذ الوطني” يجب أن تكون عند عدم تحقيق المسألة الأولى. “وهكذا، يبدو بأن أحداث السبت هزت أسس النظام السياسي، وأوجدت أرضية مشتركة لمواجهة التحدي”.

http://foreignpolicy.com/2016/05/05/muqtada-al-sadrs-revolution/