زيارة الجبير والفرصة السانحة لبغداد

      Comments Off on زيارة الجبير والفرصة السانحة لبغداد

د-سعدي الابراهيم

باحث في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

شباط-فبراير2017

لم تكن بغداد يوما عاصمة عادية كبقية العواصم، على الاخص بالنسبة للمحيط العربي، بل كانت دوما هي القطب الذي يدور حوله الاخرون في المنطقة، حتى ان العرب سموا الفترة التي اعقبت سقوطها على يد هولاكو: بالمظلمة.

وليس ببعيد عنا، بعد ان تجدد سقوط بغداد على يد الولايات المتحدة الامريكية عام 2003، مر العرب بفترة مظلمة ايضا: حرب في اليمن وفي سوريا وفي ليبيا وعدم استقرار في تونس ومصر، وربيع تتحرك ازهاره تحت ارض الخليج العربي.

   كل هذه المتغيرات التي تحدث كلما تمر بغداد بحالة ضعف وهوان، لم تكن غائبة عن الدول العربية المجاورة، وهم (اي العرب) يدركون جيدا انه بغير تعافي بغداد واخذها لدورها الحقيقي لن تستقر بلدانهم، وسيبقون يراوحون في مكانهم دون ان يتمكنوا من حل المشاكل التي تعتري المنطقة وتفتك بها.

المملكة العربية السعودية، ربما انها جربت ان تأخذ دور العراق بعد عام 2003، واعتبرته بلدا قد خرج من المعادلات الاقليمية، وبالرغم من كونها دولة قليلة الخبرة وليس لها تاريخ في الصراعات الاقليمية، الا انها ذهبت بعيدا عندما مدت يدها في العراق نفسه، وفي سوريا واليمن، وقبل ذلك في القضية الفلسطينية، واذا ما اردنا ان نسأل عن النتائج المتحققة من التدخل السعودي في المشاكل والازمات الاقليمية، سنجد بأن النتائج عكس ما كانت تتمناه المملكة، فسوريا خرجت من تحت السيطرة وبات الوضع فيها لا يطاق، واليمن لا بوادر تلوح في الافق لنهاية الصراع فيه، حتى العراق الذي قيل بان عام 2014 سيكون عام لوفاته، جاءت الرياح بما لا تشتهي الكثير من الدول الاقليمية، وبات اكثر قوة وتماسكا من ذي قبل على الاخص فيما يتعلق بامتلاكه للمؤسسة العسكرية التي كانت على طول تاريخه هي سر قوته واستقراره.

هذه المعطيات وغيرها، قد جعلت المملكة العربية السعودية تعيد النظر في علاقاتها مع العراق، وكأنها تدعوه لمساعدتها في حل مشاكل المنطقة، او لنقل مساعدتها في تخليص نفسها من مشاكل المنطقة.

شيء اخر كان من وراء اعادة الرياض للنظر بعلاقتها بالعراق والتي عبرت عنها من خلال زيارة وزير خارجيتها (الجبير) لبغداد، يتمثل في الرسائل الايجابية التي بعثت بها طهران قبل ايام، من خلال زيارة رئيسها (حسن روحاني) لبعض اقطار الخليج العربي، والتي كان مفادها: ان المنطقة لن تستقر بغير تحسن العلاقات بين بلدانها على الاخص السعودية وايران، لا سيما وان هناك نوايا اعلنت الولايات المتحدة الامريكية عن سعيها لتطبيقها في الشرق الاوسط عامة والخليج ومحيطه خاصة، وبالتالي لا بد من الاستعداد لها وتقسيم الادوار قبل ان تشتعل النيران الامريكية ويصعب اطفاءها.

هنا ايضا لابد ان نذكر الاداء الجيد لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي مد يده منذ البداية للدول العربية، وتحدث مرارا وتكرارا عن رغبته في تحسين العلاقات مع البيئة المحيطة بالعراق، وان بلاده هي ليست طرفا في الصراعات الاقليمية، بل هي دولة مستقلة لكنها تمر بحالة من عدم الاستقرار الامر الذي جعلها غير قادرة على منع بعض التدخلات التي تقوم بها الدول المحورية في المنطقة.

ولكن هل تعتبر زيارة (الجبير) لبغداد بداية لمرحلة جديدة وطويلة الامد من العلاقات وحسن الجوار؟ ام انها مجرد زيارة عابرة ولا تغيير في استراتيجية الطرفين نحو الاخر؟

هذه الاسئلة وغيرها، يجيب عنها صناع القرار في كلا البلدين، على الاخص الخارجي منه، ولكن مع ذلك، ينبغي ان تستغل بغداد هذا الفرصة السانحة، المتمثلة بالموقف الايجابي الذي ابدته السعودية، وان تعمل على جعله تحالف طويل الامد، عبر البعض من الاليات الفاعلة، ومنها:

اولا – زيارة رئيس الوزراء العراقي للمملكة للوقوف على حقيقة الرؤية السعودية للعلاقة المستقبلية مع العراق.

ثانيا – فهم طريقة تفكير العقل السياسي السعودي، والتعامل معه وفق المصلحة المتبادلة.

ثالثا – إذا اقتضى الامر ان توقع الدولتان على معاهدة لحسن الجوار، بحيث يتعهد كل طرف بان لا يتسبب بالضرر للأخر، فلماذا لا يذهب العراق بهذا الاتجاه؟

رابعا – ان يعلن العراق عن استعداده للقيام بمساعي حميدة بغية تقريب وجهات النظر بين الجمهورية الاسلامية في ايران والمملكة العربية السعودية، واثناء ذلك يبلغ الطرفان بانه دولة محايدة لن تقبل ان تكون ساحة للصراع بينهما في المستقبل.

اخيرا، ومهما كانت الدوافع الحقيقية للزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي لبغداد، الا انها تشير في النهاية الى وجود حراك اقليمي محموم لتجنيب المنطقة شر مخططات خطيرة تطبخ في عواصم الدول الغربية ربما ان الرئيس الامريكي الجديد (ترامب) ينتظر نضوجها جيدا قبل ان يخضعها للتطبيق.