ماذا يريد البرزاني من تركيا؟

      Comments Off on ماذا يريد البرزاني من تركيا؟

د. سعدي الابراهيم

باحث في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

شباط-فبراير2017

لا يوجد للدول المستقرة على الاخص المتقدمة منها غير وزارة خارجية واحدة تتحدث باسمها ونيابة عنها، اما في الدول غير المتقدمة والتي تمر هويتها الوطنية بحالة من التأزم، فأنها تفتقر لوجود جهة واحدة تمثلها في الخارج، بل ان البعض من الرموز السياسية والمجتمعية تقوم بالنشاطات السياسية الخارجية ايضا، مثل التصريحات والتفاوض وحتى توقيع المعاهدات، وقد تكون تلك النشاطات معبرة عن الشخصية ذاتها، او معبرة عن فئة فرعية من المجتمع: قومية او دينية او الخ.

العراق بعد عام 2003 كان أحد الدول التي تفتقر لوجود وحدة في الخطاب السياسي الخارجي، والاسباب التي تقف من وراء ذلك متعددة لعل من اهمها التدخلات الاقليمية والدولية، فضلا عن الخلل الذي اصاب هويته الوطنية. ومن مظاهر عدم وحدة الخطاب السياسي الخارجي، هو المواقف المتناقضة للساسة العراقيين خارج اطار الدولة، فنجد بان البعض منهم له مواقف معاكسة للسياسة الخارجية العراقية، على الاخص عندما يتعلق الحال بالعلاقة مع الدول الاقليمية المجاورة.

السيد مسعود البرزاني، لم تختلف زيارته الاخيرة لتركيا عن هذا الإطار، فهو الاخر وجد نفسه غير منسجم، إذا ما قلنا غير راض عن التغيرات الاخيرة التي طرأت على علاقات العراقية الخارجية مع الدول المجاورة، خاصة مع الجانب السعودي، بعد ان ادت زيارة الرئيس الايراني للخليج الى نوع من الانفراج انعكس ايجابا على العراق ومحيطه.

وربما ان هذه التغيرات باتت تشكل هاجسا للسيد البرزاني، على اعتبار ان عودة بغداد لعلاقاتها الطبيعية مع دول المنطقة قد يتولد عنه وجود تحالفات مستقبلية تدفع باتجاه وحدة العراق، بمعنى الوقوف بوجه اي مشروع مستقبلي للانفصال، وهو ما كان الشغل الشاغل للقوى السياسية الكردية بعد عام 2003.

وقد تكون تخوفات البرزاني في مكانها هذه المرة، خاصة وان ذكريات (حلف بغداد) الذي وقعه نوري السعيد في خمسينيات القرن الماضي مع مجموعة من الدول المجاورة لم تمحى اثاره الى يومنا هذا، حيث كانت احدى غايات ذلك الحلف الرئيسة هو تعهد دوله الاعضاء بمنع اي حركات انفصال في الدول الاعضاء ومنها العراق.

لذلك جاءت هذه الزيارة للوقوف على حقيقة ما يجري في المنطقة الاقليمية في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق، وشعوره من ان تركيا قد تلتحق بالسعودية وتعيد النظر بمواقفها من العراق باتجاه تحسين العلاقات وتوطيدها مع بغداد.

وقد تكون تركيا هي الاخرى قد رتبت موضوع الزيارة، كنكاية ببغداد وتذكيرا للعراق بان تركيا لاعبا قويا في المنطقة وبإمكانها ان تؤثر على مجريات الامور، على الاخص فيما يتعلق بمستقبل اقليم كردستان، ولذلك على بغداد ان تراعي المصلحة التركية وان لا تفكر باستقرار الاوضاع فيها بغير الرجوع الى انقرة والاستماع جيدا الى وجهة نظرها ورؤيتها للمستقبل.

وهنا من المفترض على من يقودون دفة السياسة الخارجية في العراق ان يستخدموا الدول الاقليمية لضبط اوتار اللعبة السياسية في الداخل، وفي الوقت نفسه تسخير الداخل للضغط على الخارج، ويتم ذلك عبر الاتي:

1 – اعادة صياغة حلف بغداد الذي وقف خلفه نوري السعيد، ولكن بشكل اخر عبر انشاء تحالف اقليمي يضم: العراق – تركيا – إيران – السعودية – الاردن – الكويت – سوريا بعد أن تتوضح صورتها. هدفه حفظ استقرار البلدان وضمان وحدتها.

2 – تذكير الدول الاقليمية، من ان اي خلل يصيب خريطة العراق سينعكس سلبا على بلدانهم، على الاخص تركيا التي سيتكرر مشهد انفصال الاكراد عنها في حالة انفصال اكراد العراق، بمعنى دفعهم باتجاه افشال اي مخطط للتقسيم يجري قريبا من حدودهم الجنوبية مع العراق.

اخيرا، مهما كانت اسباب الزيارة، الا انها لن تغير من الامور شيئا، كون تركيا تعرف جيدا ان مصلحتها تقتضي ان يبقى العراق موحدا في المستقبل، حتى لو ادعت بانها تنظر بعين العطف لبعض القوميات فيه.