مستقبل المشهد السياسي والديمقراطي في العراق

      Comments Off on مستقبل المشهد السياسي والديمقراطي في العراق

سعد محمد حسن

باحث في قسم الدراسات الدولية

مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء

ابريل-2017

على الرغم من ان الديمقراطية فكرة قديمة ارتبطت بحياة الانسان ونظامه العام وعرفت تطوراً تاريخياً مستمراً، انطلاقاً من متطلبات الواقع ومشاكله. كما أن مسيرتها التطورية جعلت مفهومها المعاصر محكوماً بضرورة توفر مجموعة من الآليات التنظيمية والسياسية والحزبية والقانونية كوجود دستور ديمقراطي، واجراء انتخابات، وتعددية حزبية، واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة، وحماية الحقوق والحريات العامة وغيرها من المقومات التي يحتاجها نمو واستمرار الحكم الديمقراطي وفعالية مؤسساته في ظل البيئة الملائمة وانتشار الثقافة الديمقراطية الشاملة. فالديمقراطية ليس إلا بُنية وآليات وممارسة سياسية وقانونية يحكمها التكيف مع ظروف المجتمع وخصائصه الثقافية والاجتماعية والحضارية.

وبعد مرور اربعة عشر عاماً من التغيير السياسي في العراقي تبادر الى الاذهان سؤال ماهي ابرز ملامح المشهد السياسي والديمقراطي وما هو مستقبله؟

قراءة في المشهد السياسي والديمقراطي في العراق:

ان اجراءات التحول الديمقراطي التي تقتضي الاعتماد على الاختيار الشعبي ومشروعية المؤسسات واحترام القانون وتطبيقه والفصل بين السلطات وتكريس التعددية السياسية والحزبية وحماية حقوق الانسان وحرياته ليست إلا شرط للوصول اليه، لم تحصل برغبة داخلية وانما بفعل إرادة خارجية. تلك الارادة التي ارتكبت اخطاء في تفكيك الدولة العراقية عبر حل اجهزتها ومؤسساتها وفي مقدمتها المؤسسات الامنية والخدمية. مما اوجد حالة من انعدام نظام الدولة وترتب على ذلك اعادة بناء مؤسسات الدولة انطلاقاً من متغيرات داخلية وخارجية وبناء آليات قانونية وسياسية وفق رؤية اقليمية ودولية لم تساهم في حفظ حقوق المواطنة العراقية وبناء تحول ديمقراطي سليم يتلائم والواقع العراقي. إذ رافق ذلك تدهوراً في الحياة السياسية، الاجتماعية، الثقافية، التي خلفت سياسات شمولية أثرت في المنظومة القيمية والوطنية.

ونظراً للموروث الشامل في المؤسسة السياسية الحاكمة في المجتمع العراقي وتأثير الاطر السياسة الاقليمية على الحياة السياسية في العراق، فأن التحدي الاكبر الذي يواجه العراقيين في الوقت الراهن لا يتمثل في عملية بناء أجهزة الدولة ومؤسساتها فحسب، وانما في اعادة تأسيس مفهوم الدولة في وحداتهم وثقافاتهم السياسية بحيث تستقطب الولاء الاسمى للمواطن بغض النظر عن انتماءاتهم الفرعية.

ما هو مستقبل المشهد السياسي والديمقراطي؟

اما بشأن مستقبل المشهد السياسي والديمقراطي في العراق فالبعض يطرح سيناريوهات مختلفة للمستقبل قد تؤدي به للنجاح او الاحباط ومنها:

السيناريو الاول : يفترض استمرار الوضع الراهن على مختلف المستويات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. بمعنى بقاء المشهد السياسي على هذه الشاكلة متمثلاً باستمرار الكتل السياسية الحالية على النهج نفسه. ومع التقدم الزمني تصبح مسألة المحاصصة عرفاً سياسياً لا يمكن التخلي عنه ما قد يفضي الى شعور الموطن العراقي بالإحباط وعدم المشاركة السياسية، مما يؤدي الى مزيد من الانقسام الطائفي نتيجة عدد من المعطيات اهمها:

1-    بقاء الدستور بدون تعديل .

2-    التعددية والتنوع الاثني والديني والمذهبي في المجتمع العراقي مازال يثير إشكالية الانتماء الى الوطن – الامة، فالعصبية تجد ارضية لها في الواقع العراقي.

3-    أزمة الادارة والقيادة السياسية، اذ نجدها غير فعالة في التأثير على رسم السياسات العامة للبلد.

4-    قلة الوعي لدى المواطن العراقي بمفهوم المواطنة، اذ نجده يميل الى المفاهيم الضيقة بدلاً من المواطنة.

5-    استمرار حالة المحاصصة السياسية .

6-    استمرار تدخل الدول الاقليمية والدولية في الشؤون الداخلية للبلد، مع تبعية معظم النخب السياسية لهذه الدول وقبول تدخلها.

7-    عدم مساندة المؤسسة البرلمانية للعمل الحكومي، نتيجة الخلافات السياسية، وهذا يؤثر سلباً على استقرار البلاد.

8-    انتهاكات حقوق الانسان والتضيق على الحقوق والحريات العامة

9-    كثرة المجاميع المسلحة، اوجدت حالة من الفراغ الامني.

السيناريو الثاني : تغيير الوضع الراهن نحو الأفضل :

يفترض حصول تغيير في المفاهيم والواقع السياسي من ناحية التفاؤل بما يؤدي الى نجاح بناء المواطنة العراقية الحقيقية والتحول الديمقراطي السليم وهذا السيناريو يعتمد على عدد من الافتراضات:

1-    تعديل الدستور بشكل يؤثر على المشهد السياسي من خلال تعديل المواد الدستورية المختلف عليها .

2-    انهيار التحالفات التقليدية وتشكيل كتل نيابية قائمة على برامج انتخابية وطنية تعكس المشاكل والتطلعات العراقية، اي العمل وفق الثوابت الوطنية.

3-    عدم السماح للدول الخارجية التدخل في شؤوننا الداخلية واحترام سيادة الدول.

4-    تقوية دور منظمات المجتمع المدني

5-    تحقيق مصالحة وطنية شاملة تأخذ بالاعتدال كمنهج مع كل ابناء الوطن.

ولتفادي خطر الفشل وتغيير الوضع الراهن نحو النجاح هناك مجموعة من التوصيات:

1-    اعتماد الحكومة على العدالة والديمقراطية، اي ان لا تكون فئوية.

2-    اعادة الاعتبار للهوية العراقية من خلال تأكيد روح المواطنة وتغليبها على الولاءات الفرعية.

3-    على القوى السياسية بث الوعي السياسي بين الناس.

4-    النهوض بالواقع الاقتصادي من خلال تطوير القطاعات الزراعية والصناعية.

5-    اعتماد سياسة حسن الجوار وتطوير العلاقات والابتعاد عن المشاكل.

6-    الابتعاد عن سياسة المحاصصة السياسية والطائفية.

7-    استقلالية السلطات في عملها، لاسيما القضائية ومحاسبة الفاسدين.

8-    الالتزام بقانون الاحزاب السياسية.

وفي المجمل فأن المشهد السياسي والديمقراطي في العراق واجه تحديات عدة انعكست على الواقع العراقي وأنتج سياسات لم يكتب لها النجاح، سواء اكانت على المستوى السياسي او الامني، او الاقتصادي، او الاجتماعي والثقافي. لذا يتطلب من الجميع تغيير المشهد نحو النجاح وهذا لا يأتي من فراغ واولى الخطوات هي بناء تحالف او تشكيل كتلة وطنية عابرة للولاءات الضيقة تستطيع ان تتبنى مسؤولية تغيير الوضع نحو الافضل.

images/4-2017/24-4-2017.jpg