سـنوات عـاصفة “في ذكرى احتلال العراق”

      التعليقات على سـنوات عـاصفة “في ذكرى احتلال العراق” مغلقة

م.م مصطفى محمود

مركز الدراسات الإستراتجية/ قسم إدارة الأزمات

نيسان/ أبريل 2024

      تمثل بداية شهر نيسان من هذا العام، فرصة للشعب العراقي على استذكار (21 عاماً)، مرت على غزو بلادهم من قبل القوات الأمريكية وحلفائها, إذ تكالبت ما يقارب (35) دولة تحت مسمى قوات التحالف، والتي تبنت بشكل فعلي عمليات الغزو والاحتلال، في التاسع عشر من آذار/ مارس 2003, في حرب غير متكافئة القوى، وسوقت لها أسبابا أثبتت زيفها فيما بعد, تخص امتلاك العراق أسلحة محرمة دولياً, حيث بدأ قوات الاحتلال الأمريكي بأولى عملياتها باسم (هدف الفرصة)، عن طريق قصف صاروخي لإحدى مزارع منطقة الدورة جنوب شرق العاصمة بغداد، كان من المفترض أن تستهدف بشكل مباشر الرئيس العراقي السابق، والدائرة العسكرية المحيطة بهِ, بعد ورود معلومات استخباراتية عن اجتماع عسكري في تلك المنطقة, إلا أنَّ هذه المعلومات كانت غير دقيقة, ليتلوها خطة عسكرية اطلق عليها جورج بوش الابن اسم (الصدمة والترويع), في عمل غير أخلاقي, شهدت العاصمة بغداد على إثرها قصفًا صاروخيًا عنيفًا قدر بـ (800 إلى 1000) صاروخ كروز، وهو ما أشار إليهِ المقدم الركن (ثابت العبيدي) قائد كتيبة الدفاع الجوي، المسؤول عن حماية غرب بغداد. استهدفت هذه الصواريخ كل أسلحة الدفاع الجوي، والمناطق الأمنية والرئاسية ومراكز القيادة. وبعد نحو (3) أسابيع من القصف المكثف، والمعارك غير المتكافئة، دخلت القوات الأمريكية إلى قلب العاصمة بغداد في 9/4/2003، لتعلن عن عملية إسقاط تمثال الرئيس العراقي، وسط ساحة الفردوس في قلب بغداد، وسقوط النظام السياسي العراقي برمته, وبهذا المنطق المغلوط تعرضت دولة العراق، لأكبر عملية عنف، خالفت كل المواثيق والأعراف الدولية, حتى مسوغاتها التي سوقت، لها لم تثبت صحتها إلى يومنا هذا, لذا وصفها الكثير من خبراء الاستراتيجية العرب والاجانب بـ (كذبة القرن).

تبنت الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك مشروع (الفوضى الخلاقة)، والذي يقوم على هدم  الدولة، ثم إعادة بنائها وفقاً لمعايير مختارة, فقد تمَّ حل الجيش العراقي، ووزارة الإعلام, وفتح أبواب الوزارات على مصراعيها، عرضة للسرقة والتخريب، ما عدا وزارة النفط التي أحكم المحتل سيطرته عليها. إنَّ لقرار حل الجيش العراقي السابق، والأجهزة الأمنية، الذي اتخذه الحاكم المدني الأمريكي (بول بريمر), أثرًا بالغ الأهمية في خلق فراغ أمني، عانت البلاد من ويلات هذا القرار طويلاً, على الرغم من محاولة الحكومات العراقية المتعاقبة، الحد من آثار هذا القرار وتداعياته، إلا أنَّها لم تستطع إيقاف نزيف الدم، والخروقات الأمنية، بالرغم من ايجادها لبدائل محلية لقوة الدولة، تمثلت في تشكيلات وصنوف أمنية ناشئة، وعلى أسس مذهبية وعرقية أو حتى شخصية.

ليقدم (بريمر) بعد ذلك صيغة حكم شكلية، تمثلت في استحداث مجلس الحكم الانتقالي, والذي ضمَّ معظم شخصيات المعارضة العراقية في الخارج, بواقع (25) عضوًا, وبحسب التسلسل الزمني، يعد مجلس الحكم الانتقالي ثالث هيئة إدارية في العراق بعد الغزو والاحتلال, إذ سبقهُ تشكيل (مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية)، ثم (سلطة الإتلاف المؤقتة), إلا أنَّ مجلس الحكم هو الهيئة الأولى التي تتشكل من أعضاء عراقيين, وما يؤخذ على هذا الاستحداث، هو شرعنة المحتل لصعود الهويات الفرعية، إذ تمَّ الحديث عن ثلاث هويات كبرى (شيعة وسنة وكرد)، ومن ثم إشاعة الحديث عن هوية الأقليات, ليشوه المحتل نواة تأسيس الدولة بعد 2003، عن طريق صعود الهويات الفرعية, والذي ربما لا تزال تفاعلاته قائمة إلى يومنا هذا.

لقد أدت عملية الغزو والاحتلال، إلى مجموعة من التداعيات، مثلت تحديًا بالغ الأهمية لصانع القرار العراقي، وللحكومات المتعاقبة، تمثلت بحالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني, كذلك بروز حالات من النزوح الجماعي، بسبب تردي الوضع الأمني آنذاك, كما شهد القطاعان الزراعي والصناعي، تراجعًا كبيرًا بسبب قصف أغلب المصانع والمعامل، وإغراق الأسواق العراقية بعد ذلك بالسلع المستوردة، يقابلهُ اقتصاد أحادي يعتمد على تصدير النفط بدرجة كبيرة، ليغطي كلف الإنفاق في الداخل العراقي. ربما اليوم وبعد هذه المدة، استطاعت الحكومات المتعاقبة من تجاوز التحدي الأمني, إلا أنَّ هناك الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما زالت فاعلة إلى يومنا هذا.

خلاصة القول, إنَّ التركة الثقيلة التي خلفها النظام السياسي السابق، وإغراق البلاد في أتون الفوضى، وحروب عبثية، فضلا عن الأعوام الواحد والعشرين، التي مرت على غزو العراق وتداعياتها التي عصفت بالبلاد، تشكل معاً نصف قرن من معاناة تجرعها الشعب العراقي, لنكون أمام أزمة بنيوية متأصلة، ارتبطت بنواة مأسسة السلطة بعد التغيير السياسي، وبلا شك أنَّ للمحتل، على الرغم من انسحابه عام 2011، أثراً كبيراً في إرساء أسس هذهِ الأزمة. وعليهِ لا يمكن عد غزو العراق واحتلاله مجرد ذكرى للتاريخ وتطوى، بل هو الماضي الحي الذي ما زالت فواعلهُ نشطة، وقادت لسياقات وأزمات متعاقبة.